الخميس، 23 يونيو 2011

مواد دستورية محصنة ….. معتز بالله عبدالفتاح

هذا مصطلح سبق لى استخدامه، وأرى أن الأدق منه «مواد أساسية غير قابلة للتعديل فى الدستور». تستخدم أدبيات العلوم السياسية مصطلحين وكأنهما مترادفان: «entrenched clauses» أى «عبارات محصنة» و«supra-constitutional articles» أى «مواد دستورية أعلى من الدستور» ولكن المعنى عند الفقهاء الدستوريين مختلف. وهذا مفهوم لأن هذه المصطلحات لا تنتقل بين العلوم دون أن يصيبها تحول وتحور.
المهم أن وجود «مواد أساسية غير قابلة للتعديل» ليست اختراعا مصريا، وإنما هناك فى العديد من دساتير العالم بعض المواد التى ينص الدستور صراحة على أنها غير قابلة للتعديل على الإطلاق أو يمكن تعديلها فقط من خلال أغلبية خاصة جدا تكاد تكون مستحيلة التحقق.ولنأخذ بعض الأمثلة:
فى الدستور الألمانى هناك مادة 79 والتى يسمونها (Ewigkeitsklausel) أى (مادة الخلود) تمنع تغيير بعض المواد مثل المادة الأولى التى تتضمن إشارة لاحترام حقوق الإنسان الأساسية، والمادة 20 التى توجد فيها المبادئ العامة للدولة الألمانية مثل الديمقراطية والجمهورية واحترام القانون.
وهو نفس ما نص عليه الإيطاليون فى المادة الأخيرة من دستورهم بأن «الجمهورية» لا يمكن أن يتم تعديلها فى الدستور. والدستور البرتغالى كذلك ينص على 15 مبدأ لا يمكن تجاوزها أو معارضتها عند أى تعديل لاحق. وهو ما فعله الهنود بلغة أقل تفصيلا من خلال حكم المحكمة الدستورية العليا هناك بأنه «لا يمكن لأى تعديل دستورى أن يتعارض مع البنية الأساسية للدستور الهندى».
والمادة 60 من الدستور البرازيلى تنص صراحة على أنه لا يمكن إجراء أى تعديل دستورى ينال من أربعة أنواع من المواد: كل المواد المرتبطة بحقوق الإنسان، تغيير الإطار العام للدولة، الفصل بين السلطات، والطبيعة الفيدرالية لجمهورية للبرازيل.
ولنا أن نتوافق على نسختنا المصرية من هذه المواد، وأن يشارك فيها الجميع. 
إن صنعة الدساتير تقتضى أربع مراحل: مرحلة النقاش العام حوله، مرحلة الصياغة الأولية له، مرحلة التصويت المبدئى داخل لجنة الصياغة عليه، ثم مرحلة التصديق عليها إما من لجنة منتخبة للتصديق أو من جميع الشعب فى استفتاء.
ومن الممكن أن تكون مرحلة الصياغة أولا ثم النقاش لاحقا، فتبدأ بعض الدول بلجنة أو أكثر لصياغة ما يتصورونه الصيغة الأمثل ثم يتم النقاش لاحقا على هذه المواد. أو أن يحدث ما نراه فى مصر الآن من نقاش واجتهادات فى التوافق على مبادئ عامة تراها كل مؤسسة أو شخصية عامة ثم تكون اللجنة المنتخبة هى التى تقوم بالصياغة النهائية (الهند وسيريلانكا مثالان). ومن هنا يكون من المفيد الحوار المجتمعى الدائر الآن، فمثلا الأزهر أخرج لنا مبادئ جيدة لما يراه بشأن مستقبل مصر، وهو جهد مطلوب ومحمود.
والدكتور البرادعى قدم وثيقة توافقية جدا تستحق التقدير والنقاش. وبعض القوى السياسية، بما فيها الإخوان والوفد، تتحرك فى اتجاه مماثل، وهذا مطلوب للغاية. «دار الشروق» تقوم بجهد جيد منذ فترة فى نفس الاتجاه، وهذا مفيد.
لا أرى خطأ فى تعدد الاجتهادات، بل أختلف مع الأصدقاء الذين يرون أن التشابه الشديد فى كلام القوى السياسية والحزبية مؤشر سلبى. بل على العكس هذا هو التوافق المطلوب، وهؤلاء هم الذين يمثلون التيار الرئيسى فى كل تجمع من هذه التجمعات وهم الذين سيصنعون التيار الرئيسى المصرى. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق