الثلاثاء، 21 يونيو 2011

أبو الفتوح يكتب للشروق عن مستقبل السلام والديمقراطيه فى الشرق الاوسط


 خص المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، عبدالمنعم أبوالفتوح، «الشروق» بمقال كان كتبه قبل قرار فصله من جماعة الإخوان المسلمين بساعات، وهو المقال الذى مثل الخطوط العريضة لمحاضرة ألقاها أمام مجموعة تحالف الحضارات الدولية فى لندن، وهذه المحاضرة لقيت صدى كبيرا وتناقلتها وسائل الإعلام الغربية على نطاق واسع وإلى نص المقال:

المجتمع المدنى
من الركائز الأساسية للاستقرار أن يكون المجتمع أقوى من الدولة والشعب أقوى من السلطة، لأن الدولة الحديثة متوحشة كما وصفها المفكر الأوروبى توماس هوبز، لذا لزم الأمر أن يكون المجتمع فى حالة جيدة من التماسك والقوة، وأهم مكونات القوة فى المجتمع هى الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدنى.
الخبرة التاريخية لدينا فى العالم الإسلامى تقول إن المجتمع كان به قدر كبير من الحيوية والقوة لأنه كان مستقلا ماليا عن السلطة فيما يعرف فى الثقافة الإسلامية باسم «الأوقاف»، وهى عبارة عن تبرعات مالية أو عينية لصالح النشاط الاجتماعى مثل التعليم والعلاج والملاجئ.
ومما نتطلع إليه فى بلداننا أن تعود مؤسسات الأوقاف إلى سابق نشاطها مع توافر الاستقلال عن السلطة، لأن السلطة لدينا استولت على هذه المؤسسات الوقفية بغرض إضعاف المجتمع أمام الدولة. ويضاف إلى ذلك التوسع فى إنشاء الجمعيات البيئية والثقافية والاجتماعية والتربوية، وتوعية الناس بهذه الثقافة: ثقافة تكوين الجمعيات التى ينتظم فيها الناس ويشكلون تجمعا فاعلا فى اتجاه التنمية والبناء.
وجود المواطن فى حالة فردية داخل المجتمع أمر مكروه فى ثقافتنا الإسلامية ومعظم التكاليف الدينية نجدها تتم فى حالة جماعية، وهو ما ندعو إليه ونسعى لإعادة هذا الوعى داخل مجتمعاتنا. الغرب الأوروبى حاليا سبقنا فى هذا المجال ولديه خبرة ممتازة ونحن نتطلع إلى التزود بهذه الخبرات والتجارب من خلال بروتوكولات تعاون وزيارات مشتركة.

المؤسسة العسكرية
الجيش فى المنطقة العربية له مكانة كبيرة، وكان له دور كبير فى القرن الماضى فى مرحلة ما بعد الاستعمار، ودخل فى السياسة والحكم وامتلك زمام الدولة وكان ذلك فى غير صالح الديمقراطية والحريات. والأمر مختلف فى بلد عربى عن بلد آخر، ففى مصر وتونس مثلا يتميز المجتمع بالوحدة العرقية والتماسك وينعكس ذلك على دور الجيش وعلاقته بالدولة والمجتمع وقد رأينا دورا رائعا للجيش أثناء ثورة الشعب فكان ضامنا وحاميا لها، ولم يتدخل لمنعها. فى بلدان عربية أخرى تنعكس الحالة القبلية والطائفية على تكوين الجيش، كما فى ليبيا واليمن وسوريا، وانعكس ذلك أيضا على الموقف من ثورات هذه الشعوب المطالبة بالحرية والديمقراطية.
فى مصر أعلن الجيش بعد إشراف المجلس العسكرى على إدارة البلاد، أنه ليس بديلا للشرعية السياسية التى هى حق أصيل للشعب، ودعا إلى انتخابات برلمانية ورئاسية، وصاحب ذلك تعديلات دستورية لصالح الشعب. الجيش لا يريد أن يحكم، ولا يريد أن ينغمس فى العملية السياسية، واكتفى بدور الضامن للشرعية الدستورية وسلامة البلاد، وهو موقف تاريخى مجيد أعطى للجيش مزيدا من المهابة والاحترام.
الأحزاب السياسية

تميزت الفترة الماضية بضعف الأحزاب السياسية بل وبضعف الثقافة السياسية بشكل عام، وكتب كثير من المثقفين لدينا عن «موت السياسة»، ومنذ حركة الانقلابات العسكرية فى منتصف القرن الماضى ابتعد الناس عن ممارسة حقوقهم السياسية، وزاد تدخل السلطة فى العلمية الانتخابية مما أفقدها جديتها واحترامها لدى المواطن العادى، وارتبط الانشغال بالعمل العام والعمل السياسى بالملاحقة الأمنية والمطاردة البوليسية، وتكونت أحزاب سياسية ضعيفة تحت إشراف الأجهزة البوليسية.
لكن ثورة الشعب فى يناير حطمت كل ذلك، والآن يبدأ المجتمع فى استعادة قوته السياسية، وبدأت حركة تشكيل الأحزاب، وقد صدر لها قانون محترم ينظمها كان من أهم سماته تكوين الحزب بمجرد الإخطار، بعد أن كان يعرض على لجنة حكومية متسلطة. لدينا أحزاب إسلامية وأحزاب ليبرالية وأحزاب يسارية وقومية، الأمر يحتاج مزيدا من الوقت ليتحقق له النضج المطلوب.
الأحزاب الإسلامية لا تقوم على أساس عقائدى، ولكنها تقوم على الفكرة الإسلامية الحضارية التى ساهم فى صنعها المسلمون والمسيحيون، لذلك فأبوابها مفتوحة لعضوية المسيحيين. والمسيحيون العرب لهم دور كبير فى الحضارة الإسلامية على المستوى العلمى والفكرى والأدبى. ونحن فى الشرق نعتز بهذا التنوع ونرى فيه ثراء إنسانيا جميلا، كما انه يزيد من اعتزازنا بالإسلام الذى يعطى الأقليات الدينية مكانة محترمة فى المجتمع.
وتمثل الديمقراطية والتعددية وتناوب السلطة فكرة محورية لدى الأحزاب الإسلامية، وقد درج المهاجمون للإسلاميين على اتهامهم بأنهم يؤمنون بديمقراطية المرة الواحدة التى تأتى بهم ثم يلغونها ويستمرون فى السلطة، وهو اتهام باطل لا يقوم على دليل ويخالف الأخلاق الإسلامية التى يمثل الصدق والوفاء بالعهود فيها أمرا عظيما.
الأحزاب الإسلامية تهدف من ممارسة نشاطها إلى زيادة الوعى السياسى للجماهير ودفعهم للمشاركة فى الحياة العامة بعد طول إقصائهم عنها، وأيضا تهدف للوصول إلى الحكم لتطبيق برامجها فى التنمية والبناء والنهضة، وذلك وفق مفاهيم الحرية والعدالة الاجتماعية وإعلاء كرامة الإنسان.

التوازن الإقليمى الجديد
تتميز المنطقة العربية والإسلامية بالوحدة الحضارية وكانت من قبل تشكل وحدة سياسية جامعة، ثم حدث أمر خطير بطرد أحد أبناء بلدان المنطقة من أرضه (فلسطين) وإحضار قوم آخرين ليحل مكانه (اليهود)، استنادا إلى أفكار تاريخية قديمة أغلبها أسطورى وغير موثق، وتشكلت دولة مختلفة عن التيار الحضارى العام لبلدان المنطقة، وكان من الطبيعى أن تتكون حالة عداء بين الدولة الجديدة ومحيطها العام وفق مفهوم الاعتداء، ونحن نفرق بين اليهود وبين الدولة اليهودية. فاليهود عاشوا فى ظل الحضارة الإسلامية أفضل مراحلهم التاريخية على الإطلاق، كما قال أحد وزرائهم السابقين، وعاشوا كمواطنين لهم كل الحقوق وعليهم مثل الواجبات التى على غيرهم.
وتكوين دولة دينية لأبناء دين محدد أمر غير حضارى وغير إنسانى ويخالف التطور الذى حققته البشرية فى حياتها على الأرض. لا مستقبل لهذه الدولة الاصطناعية لأن نسبة كبيرة من أبناء الدين اليهودى يرفضونها ويفضلون العيش فى ظل المواطنة مثلهم مثل أبناء باقى الديانات. الدولة التى يجب أن تكون (دولة لكل شعبها ووطن لكل أهله) يعيش فيها المسلم والمسيحى واليهودى فى ظل المواطنة.
تتميز المنطقة بوجود ثلاثة بلدان يطلق عليها (البلد المفتاح) لتميز هذه البلدان الثلاثة بالكثافة السكانية وعمق المساهمة الحضارية فى صنع تاريخ المنطقة وهى مصر وتركيا وإيران، ونحن نرى أن استقرار المنطقة يقوم على تفاهمات جيدة بين هذه البلدان، وضرورة التنسيق التام فيما بينها حول مستجدات الأحداث فيها.

فرصة السلام فى المنطقة كبيرة إذا عاد الفلسطينيون إلى وطنهم. فرصة السلام فى المنطقة كبيرة إذا خرج كل محتل أجنبى عنها، فرصة السلام فى المنطقة كبيرة إذا تم إخلاؤها من السلاح النووى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق