الاثنين، 20 يونيو 2011

أبو الفتوح والإخوان…… عصام تليمة


لا شك أن قرار مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين القاضي بفصل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح من الجماعة، سيظل مجالا للحديث بين الإخوان وغيرهم فترة من الزمن، شاء من شاء، وأبى من أبى، وأحب أن أقف وقفات مع هذا القرار، أحاول فيها الإنصاف لكل الأطراف، والوقوف بحيدة قدر المستطاع، فأقول:


أولا: لكل مؤسسة في الدنيا قوانينها ولوائحها، صحيحة كانت أم خطأ، يرتضيها كل من يدخلها، والإخوان في ذلك ليست شأنا غريبا عن هذه المؤسسات، فلها لوائحها وقوانينها، فعند إعمال هذه اللوائح قبولا للفرد فيها، أو فصلا له منها، لا ملام عليها. ومن حق المؤسسة أن تتخذ أي قرار وفق لوائحها، ومن حق الأفراد التظلم على هذا القرار وفق نفس اللوائح التي تنظم العلاقة بين الفرد والجماعة.

ثانيا: سيظل لهذا القرار آثار آنية وبعد ذلك، سواء داخل صف الإخوان، أو خارجه، وسينال تعاطفا ممن عاشروا وعرفوا وخبروا د. عبد المنعم أبو الفتوح، سواء رضوا بالقرار وسلموا به، أم سخطوا عليه، وغضبوا، وعبروا عن غضبهم، ولذا على الجماعة في هذه المرحلة أن يكون ردها ردا يليق بمكانتها وتاريخها على مثل هذه الاعتراضات والعواطف التي تنبع من حب الناس للجماعة، ومن شفقتها على خسارة فرد بقامة وتاريخ أبي الفتوح، وألا يكون الرد متشنجنا سواء من بعض الأفراد أو المسؤولين.

ثالثا: ربما استغربت واستغرب غيري من بعض أبناء الحركة الإسلامية، من سرعة اتخاذ القرار، والوصول به إلى أقصى العقوبات، بينما كنت أرى أن هناك مجالا للتأخير في القرار،فأبو الفتوح كل مخالفته ـ وهي مخالفة إدارية ـ في نيته الترشح، وإعلانه بذلك، ولذا يعرف هو وغيره من المرشحين: بالمرشح المحتمل للرئاسة، وكانت هناك فرصة من الوقت ربما للتدارك والنقاش، بصورة أو بأخرى، خاصة مع وعده عند وجود مرشح قوي له مكانته، سيتم التنسيق معه، وربما التنحي له، ومعاونته للوقوف خلف مرشح واحد، فتأتي المفارقات أن يعلن الدكتور العوا ترشحه، في نفس الوقت الذي يجتمع مجلس الشورى لفصله، فكانت هناك بحبوحة من الوقت لدى الجماعة في اتخاذ القرار، وربما في استعمال درجة أخف من الفصل، كالتجميد، أو أي صيغة أخرى، وليس من شأني ولا من شأن غيري إلزام مجلس شورى الإخوان برأي اجروا عليه تصويتا واتخذوه، لكن التعجب الذي سيأخذ مني ومن غيري وقتا هنا: لماذا التعجل والحسم في مسألة أبي الفتوح والدكتور حبيب، وأي مخالفة تنظيمية، بينما هناك تسويف وحكمة زائدة عن الحد تصل لضياع الحقوق، في مخالفات أخرى لأناس آخرين، في قضايا تتعلق بحقوق، وحتى لا يكون كلامي مرسلا، فأين شكوى د. الزعفراني بالطعن على انتخابات مكتب الإرشاد الأخيرة، سواء صحت اتهاماته أم لم تصح؟ وأين طلب د. محمد حبيب بتشكيل لجنة محايدة تفصل في هذه الانتخابات هل هي صحيحة أم لا؟ ومبلغ علمي ـ وليصوب لي من عنده التصويب ـ أنه لم يتم فيها شيء، وربما يكون هناك رد على هذا التساؤل لا أعلمه، لكن ما لدي يقين فيه: أن لي شكوى شخصية منذ ست سنوات، من شخص معين في الإخوان، ولما ذهبت بشكواي بكل تفاصيلها، قيل لي: هذه الشكوى الثامنة من نفس الشخص، وإلى الآن مبلغ علمي المتواضع لم أخبر بأي إجراء تم، ولم يبلغ السبعة السابقين لي، فهي مسألة محيرة للغاية، لماذا التشدد في الأخطاء التنظيمية الإدارية، في مقابل التغافل عن الأخطاء السلوكية، والتي ما دخل الأفراد جماعة الإخوان إلا بانضباطهم السلوكي أولا، والتنظيمي ثانيا.

ثالثا: في ظل قرار كهذا، يخرج بذلك د. أبو الفتوح به من التنظيم، ولا يخرج من الفكرة، فالإخوان مدرستان، مدرسة التنظيم، وهي ضيقة جدا وصغيرة، ومدرسة الدعوة، وهي أوسع وأشمل، ويظل أبو الفتوح رمزا وتاريخا لا ينكره إلا جاحد أو مكابر، ولهذا التاريخ حقوق وواجبات، على الجماعة وأفرادها، وعلى أبو الفتوح على حد سواء، فيجب تقدير المواقف، وأن تحري الصواب كان مبتغى من الطرفين: الجماعة وأبي الفتوح، وأيهما أخطأ الوصول إليه، فهو مغفور في بحر حسنات الجميع، ومغفور بحسن النية، وقرارات البشر دوما لا يعرف الناس صحتها من خطئها في وقت اتخاذ القرار، بل الزمن والتجربة هي التي تحكم فيما بعد.
فيجب أن يحكمنا قبلها، وأثناءها، وبعدها، أدب الإسلام، ورعاية الود والتقدير، ولا يقبل بحال من الأحوال، إساءة طرف إلى الآخر، أو إساءة أتباع طرف على الطرف الآخر، فلا أقبل بحال من الأحوال، ما أقرأه من إساءات بعض الأفراد الذين لا يمثلون توجها عاما للإخوان، من شباب حدثاء في السن، أو من كبار حتى، ليتناول الدكتور أبو الفتوح بما لا يليق، وخاصة من يهوون دائما توظيف النصوص الشرعية، كاستشهاد بعضهم: إن يعلم الله فيه خيرا يأت به، أو غيرها من النصوص التي تقال في منافق عليم النفاق، أو آيات توضع في غير موضعها، وهو أمر لا يليق بمسلم فضلا عن فرد من الإخوان المسلمين، لأنه سيعطي صورة سيئة عن الجماعة في وقت تهاجم فيه ليل نهار، بسبب وبدون سبب، بأنها جماعة تأكل أبناءها، ولا تراعي العشرة، وتهيل التراب في لحظة على تاريخ من أقاموها وبنوها، لمجرد اختلاف، وسيوظف مثل هذه المواقف لتخويف الناس من الإسلاميين عموما، والإخوان خاصة، بأن هذا هو تصرفهم خارج الحكم مع بعضهم البعض، فما بالكم بمن يخالفهم وهم في السلطة، ومن خارج دائرتهم؟! فمطلوب هنا أمران: الحكمة، والأدب، الحكمة في الرد، والأدب في مراعاة حقوق الأخوة الإسلامية العامة، مع الجميع، فضلا عن الدكتور أبو الفتوح.

رابعا: هناك حكمة تقول: قد يكون الخير كامنا في الشر. أي: قد يكون هناك خير عميم، يحمله أمر تراه شرا في ظاهره، وهذا ينطبق على قرار الجماعة هنا مع الدكتور أبي الفتوح، فبهذا القرار، لم يعد هناك مانع لأي فرد من الإخوان المسلمين، أن يدعم حملة أبي الفتوح للترشح للرئاسة، سواء بالتبرع بالمال، أو التحرك بالدعاية، ما دام تحركه سيكون فرديا ولا يمثل الجماعة، ولعله خير كبير لأنه بلا شك كان قرار الجماعة بعدم ترشح أفرادها، أو دعم الجماعة لمرشح بعينه، عائقا عن تحرك كثير من الأفراد كان يحب التحرك لمشروع أبي الفتوح، فالآن لم يعد هناك حجة أو منع لأحد، بل الأمر بات مفتوحا للجميع أن يتحركوا أفرادا،وهو ما نأمله من الأفراد هنا، من حيث التفهم، وعدم استخدام الدعاية المضادة للرجل ولا لمشروعه، فقد صار فردا مرشحا محتملا للرئاسة، مثله مثل أي مرشح آخر، يحكمه ما يحكمهم من موازين الجماعة من حيث التقييم من حيث الصلاحية، والخلق، والمشروع، وهو ما لا يختلف عليه أحد من مسؤولين الجماعة ولا أفرادها، لكن رفعا للحرج عن الجماعة التي ليس لها موقف معين الآن من المرشحين، فيسع الفرد هنا ما لا يسع الجماعة، ولعل قيام الأفراد منفردين بلا توجه عام بالدعم، يخفف من حدة القرار الذي آلم الجميع، وهو أمر موجود بالفعل، وكان شباب الإخوان يقف حائرا بين أمرين: قرار الجماعة الذي هو مطالب باحترامه، وحبه للدكتور أبي الفتوح، وإيمانه به وبمشروعه في الترشح، فالآن زال هذا التردد وحسم، فأصبح الأمر مفتوحا في أي اتجاه شاء.

خامسا: أعتقد أن الإخوان لديهم ما يشغلهم بمصلحة الوطن، وتطوير الجماعة، فلن يفيدها في شيء، أي مهاترة من أي فرد، يحاول القيام بها تجاه مشروع أبي الفتوح، أو شخصيته، فلينشغل الإخوان بمشروعاتهم، ويتركوا كل من لديه مشروع سواء داخل الجماعة أو خارجها، فليس مقبولا أن نبحث عن القواسم المشتركة مع المختلفين معنا فكريا، ثم نحارب المتفقين معنا، وإن اختلفوا في اسم اللافتة التي يرفعونها، وسيكون خصما كبيرا من تاريخ وحركة الجماعة لو قام بعض أفرادها بمثل هذه الأفعال، فسوف تحسب ضدها لا لها، وهو ما أتوقع أن الجماعة تتحاشاه سواء كتوجه عام من القيادة، أو كتنفيذ من الأفراد.

أخيرا: كنت قد سألت الدكتور محمد بلتاجي عندما كان في زيارة لقطر من فترة قريبة، وقلت له: هو سؤال، لا أريد جوابه، بل هي رسالة وصلها لكل من له صلة بالأمر: إلى أين تسير الجماعة في تعاملها مع الشباب، قلبي ينفطر مما يصلني من بعض الشباب من ممارسات بعض المسؤولين معهم، لماذا نضع الشباب بين خيارين أحلاهما مر: إما أن يضرب رأسه في الحائط، وإما أن ينفجر في الجماعة، هي كلمة فقط أوجهها وأحببت أن أختم بها مقالي:الظروف والمناخ في مصر تغير، والثورة وصلت للشباب، ويبدو أنها لم تصل لبعض الإخوان، فيجب مراعاة ما مر به الشباب من ثورة في ميدان التحرير، وإذا كان طبيعة الشباب التحمس، فهو من شباب ثائر أكثر وأكثر، وإذا كانت جماعة الإخوان تباهي دوما بأنها: جماعة تجمع بين حماسة الشباب، وحكمة الشيوخ، فينبغي ألا تقصي الحكمة الحماسة، بل تمزج بينها وبين حكمتها، وأن يلين الجميع في يد بعض، وأن تفتح آفاق لاحتواء هؤلاء الشباب، بمشاريع فكرية ودعوية وسياسية تحتوي ولا تشتت، وتجمع ولا تفرق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق