الاثنين، 1 أبريل 2013

ليس بالمنع تقتل الرأى......معتز بالله عبد الفتاح

فى الديمقراطيات، هناك حرية تعبير. فى الاستبداديات، لا توجد حرية تعبير. فى الدول شبه الديمقراطية (التى هى بالضرورة شبه استبدادية) هناك حرية تعبير، ولكن لا توجد حرية بعد التعبير. وفى كل الأحوال، المعارض دائماً سيجد ما يقوله، ولكن إبطال حجة المعارض تتطلب إنجازات حقيقية على الأرض، تجعل معارضته غير ذات أهمية. لكن العجز عن الإنجاز والسعى لمنع المعارض من التعبير عن الرفض، يخلق وضعاً استبدادياً بالضرورة.

وتعالوا نؤصل المسألة، ومع تحيزى التام لحق كل مواطن مصرى فى أن يعبر عن وجهة نظره فى أى قضية يرى أهميتها لكن معضلتى الأساسية هى فى الأسلوب، فى الطريقة، فى الألفاظ المستخدمة. الحق فى التعبير «freedom of expression» مذكور فى المادة 19 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان.

ولكن وكما هو الحال مع كل حق يمكن لصاحبه أن يتعسف فيه وأن يضر الآخرين، ولذا جاءت القوانين لتنظم الحقوق لضمان عدم التعسف فيها.

ومن هنا، فإن الكثير من دول العالم فيها نصوص تجرم الإهانة والسب والقذف للشخصيات العامة أو الخاصة بدرجات متفاوتة، ومن هنا وجدنا قوانين فى معظم الديمقراطيات تحت عناوين متنوعة، ولكنها فى النهاية تحاول أن تكف يد الدولة عن أن تبطش بأصحاب الرأى، وتضع ما يكفى من أسباب الردع حتى لا يتحول المجتمع إلى ساحة من السباب والشتائم والاتهامات الباطلة التى تنال من سمعة الآخرين وثقتهم فى مجتمعهم.

وهنا لا بد من التفرقة بين ثلاثة أنماط من توجيه «عبارات سلبية للآخرين»:

  • هناك أولاً انتقاد قرار أو فعل أو سلوك أو من اتخذ القرار أو قام بالفعل أو تبنى السلوك، مع توضيح مخاطره على المجتمع والدولة.


  • هناك ثانياً «التقول» على شخص بغير وجه حق أنه قرر أو فعل أو سلك مسلكاً غير صحيح، مع عدم القدرة على إثبات نسبة القرار أو السلوك أو الفعل للشخص. كأن ينسب شخص لآخر أنه أمر بإحراق مصنع دون دليل على ذلك.
  • هناك ثالثاً السب العلنى وتوجيه الشتائم لشخص على نحو يؤدى إلى إهانته المباشرة.
ولا شك أنه لا يوجد قانون فى العالم الديمقراطى يحرم النمط الأول من العبارات السلبية، بل من أجلها قامت الديمقراطية، ومن أجلها كانت حرية الرأى والتعبير. لكن المشكلة هى فى المسارين الثانى والثالث، وهنا تأتى المعضلة التى تواجهنا، التى ستفضى يقيناً إلى مزيد من الأخبار غير السارة عن تحويل إعلاميين وصحفيين وناشطين إلى القضاء.

ولنأخذ مثالاً من التقاليد الأمريكية التى تتعامل مع أى شخص يتهم آخر أو يصفه بعبارات مهينة أو يتقول عليه ما لم يكن صحيحاً. وهو ما جعل الأمريكان يسيرون على ثلاث خطى:

  • أولاً، لا بد من أن يثبت الشخص أن ما نسبه إليه الآخرون (وليكن بعض الإعلاميين) غير صحيح.


  • ثانياً، لا بد أن يثبت الشخص أن ما نسبه إليه الآخرون سبب له ضرراً.


  • ثالثاً، لا بد أن يثبت الشخص أن ما نسبه إليه الآخرون لم يراعِ فيه بذل الجهد من أجل تحرى الصدق (مثل الاتصال بصاحب الشأن أو من يمثله لتحرى الدقة).


  • رابعاً، وفى حالة الشخصيات العامة، يضاف شرط رابع، وهو إثبات سوء النية وتعمد الإساءة.

وفى هذه الحالة الأخيرة تحديداً، نجد أن رئيس الجمهورية له وضع خاص فى الكثير من قوانين العالم الديمقراطى مثل القانون الفرنسى الذى يعتبر أن «إهانة الرئيس» جريمة يعاقب مرتكبها وفقاً لقانون تم إصداره فى 29 يوليو 1881، ولكن هذا القانون تم تعديله فى يونيو 2000 لتلغى عقوبة السجن وتبقى فقط على عقوبة الغرامة ضد من يهين رئيس الدولة، مع عدم إلغاء عقوبة السجن مدة لا تزيد على 12 شهراً ضد من يشيع الكراهية أو العنصرية فى المجتمع ضد أتباع أى دين أو عرق.

لا أعرف لماذا تشغل الدولة نفسها بإهداء خدمات جليلة لمعارضيها وتحولهم إلى أبطال، وهى لا تقوم بواجبها الوحيد: حل المشاكل. وكأن المشاكل ستحل بإخراس من يرصدها ويعبر عنها.

ليس بالمنع تقتل الرأى، إن المنع يعطيه قوة وانتشاراً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق