الأربعاء، 24 أبريل 2013

على هامش الدعوة إلى إصلاح القضاء | بقلم : د. محمد بريك


بغض النظر عن أية مناقشات حول التعامل مع مسألة القضاء وهل مايسوّق له البعض هو (تطهير) للقضاء لأجل (أهداف الثورة والقصاص) أم هو مسلك استبدادي وفصائلي لإجهاض استقلال القضاء وتسييسه.. أعتقد أنه من المهم أن نعلم معلومة هامة في قانون السلطة القضائية الحالي - ولاأعتقد أنه سيتم تغييرها في أي مشروع قانون سيقدمه الحزب الحاكم وموالوه:

هذه المعلومة - والتي أعتقد أنها تغيب عن ذهن بعضنا - أن قانون السلطة القضائية الحالي يطرح روافدا من مهنة المحاماة وهيئات تدريس القانون -فضلا عن هيئتي النيابة الإدارية وقضايا الدولة التي تشوب استقلالهما شوائب وإن نص عليه الدستور - وكذلك مجلس الدولة لشغل مناصب قضاة المحاكم الإبتدائية والاستئناف والنقض.

المسألة هنا أن التنحية المفاجئة لآلاف القضاة لاعتبارات السن مثلا - بقوة السلطة الحاكمة - ستسبب عجزا شديدا في أعداد القضاة لامناص من ملئها بالروافد الأخرى التي يسمح بها القانون. لا مشكلة في استعمال هذه الروافد إن تمت في بيئة محايدة واستقلالية وتحت إشراف السلطة القضائية كما ينص القانون، ولكن المشكلة أن عملية التعيين هذه ستتم - إن حدثت - في بيئة ومرحلة تتضعضع فيها استقلالية القضاء لصالح حزب في السلطة. 

إن من يفتئت على سلطة القضاء في التنحية وفي تشكيل مجلس القضاء وفي تعيين النائب العام وأعضاء الدستورية مثلا وكان في افتئاته معبرا عن مراد الحزب الحاكم فإن تصرفاته في التعويض العددي تبقى دائرة في نفس التحيز - وهذه في أقلها شبهة لايمكن التخلص منها.. 

هذه المسألة التفصيلية - وغيرها كالتحكم في أحكام القضاء في مسائل فيصلية يرتبط بها استقرار النظام السياسي ودمقرطته كشرعية الجمعية التأسيسة ومجلس الشوري مثلا- هي من منطق القاعدة السياسية والدستورية في جعل السلطة القضائية قائمة شرعيتها على استقلالها، وأن تشريعاتها المنظمة لايستقل بإنتاجها فصيل أو سلطة وإنما تمثل توافقا وطنيا ومع المؤسسة القضائية ذاتها.. ويبقى الضغط السياسي والشعبي حاضرا في الخلفية.

حين ترتفع غشاوة الانحيازات الفصائلية والشخصية عن الأعين نرى الصورة على حقيقتها - صورة مانحن فيه ومانحن مقبلون عليه إن أفسدنا شرعية القضاء كسلطة. هذا (إن) سمحت الحالة الشعبية والسياسية بتمرير هذا من أساسه. والله هو الهادي لخير السبيل.

***
رحم الله عمر.. فإنه حصلت بينه وبين أعرابي تنازع في بعير اشتراه، فطلب من الأخير أن يختار حكما بينهما فاختار الأعرابي شريحا، وكان عمر لايعرفه. فقضي شريح ضد عمر. ثم لما ناقشه الأخير علم سعة فقهه فولاه. 
فعمر أولا قد استبق دفع الأعرابي في أن يكون القاضي لاتوجد فيه مظنة موالاة الأمير بل هو من طلب منه ذلك. وثانيا - عمر لما رأى استقلالية شُريح وعدم تهيبه إياه في أن يقضي ضد مصلحة السلطة الحاكمة - بالإضافة لفقهه - ولّاه. 

منصب القضاء يحرُم على كل من ينتمي أو يوالي فصيلا حزبيا أو سلطة.. فمن تلبس بمثل هذا فليتطهر .. وعلى هذا تقوم الدول.. دولة العدل عموما، ودولة تريد تطبيق الإسلام في شأنها خصوصا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق