الأحد، 14 أبريل 2013

وطن يستغيث.. إنها الفتنة ........... سيف الدين عبدالفتاح

فى مقالتين متتاليتين تحدثنا عن ثورة تشكو وعن شعب منسى واليوم مع تفجر أحداث طعنت الوطن؛ حوادث جديدة وتوترات دينية متجددة ما بين حادث فى قرية الخصوص وبين اعتداءات فى محيط كاتدرائية العباسية ففتح هذا المجال لوطن يستغيث من فتنة كبرى تصنع وتحاك بليل ليفتح ملفا وينكأ جرحا غاية فى الخطورة على مشروع الجماعة الوطنية لحمة وتماسكا.

وطن يستغيث بعد أن وجد فى ثورته مجالا وملاذا يؤسس فيه لوطن جديد على قاعدة من عقد سياسى ومجتمعى جديد يتساءل الوطن: أيمكن أن تضيع ثورة؟ أيمكن أن يستهان بأمة؟ أيمكن أن تتشرذم جامعية وطن؟ إن الوطن الذى يجب أن ننطلق لحمايته هو الذى سيؤسس لحماية ثورة لا يمكن حمايتها فى ظل تهديد وطن بإشعال فتنة تتعلق بالتوترات الدينية تشكل خطورة على مصر ومستقبلها على وطن وتعاقده على ثورة ومكتسباتها.

حينما يبدو الأمر مع تكرار هذه الحوادث أن أحدا لا يتحرك الحركة الواجبة أو يستجيب الاستجابة الفاعلة أو بالاستراتيجية الاستباقية الفورية اللازمة أعنى فى هذا مسئولية أجهزة الدولة بأسرها عن فتنة تنبه عليها استغاثة وطن المؤسسات من رئاسة وحكومة وإعلام وأمن ومخابرات ومؤسسات دينية، وكذلك المؤسسة التشريعية؛ كل هؤلاء يتحملون المسئولية الكبرى عن هذه الفتنة التى تشتعل يوما بعد يوم.

●●●

إن أخطر ما فى كتاب الانفلات الأمنى هو فتح صفحة التوترات الدينية واستغلالها وأخطر من هذا وذاك هو ذلك التباطؤ الذى يشكل ذات المحصلة التى تترتب على التواطؤ، إن ترك حريق الفتنة يشتعل وترك جماهير الناس تنفعل وحياكة خيوط فتنة لا تندمل أمر لابد وأن نقف حياله فى إطار استراتيجية واجبة لا تحتمل التأجيل أو الانتظار إن الأمر ليس بإلقاء كلمات أو بتوجيه اتهامات ولكن الأمر أبعد من ذلك يعبر مع تكرار هذه الأحداث عن فشل فى المعالجة لا يحتمل وتأجيل للمواجهة لا تنتظر.

ومن هنا فإن المدخل المؤسسى القادر على الإمساك بتلابيب خرائط التوترات الدينية والقدرة على التعرف على خرائط أسبابها والبحث فى جغرافيتها والعوامل الكامنة خلفها هو الكفيل بالتعامل مع هذا الملف الخطير إننى أؤمن أن التوترات الدينية ليست إلا غطاء لمشكلات جوهرية يشكل الدين فيها مادة للتضارب وربما التحارب ومن هنا وجب علينا أن نكشف الغطاء عن جملة الأخطاء البنيوية فى المجتمع والتى تشكل قابليات لتفجر عالم أحداث لفتن خطيرة تؤثر فى مستقبل وطن ومسار ثورة.

●●●

إن هذه الاستراتيجية تشكل منظومة من المداخل التى تتكامل فى الرؤية والفعل لتقديم أسس وعناصر مهمة لمواجهة هذه الإشكالات الناتجة عن التوترات الدينية، ومن هنا فإن النظر إلى جملة هذه المداخل وتحويلها إلى آليات ومؤسسات وإلى سياسات وقرارات وتشريعات وإلى خطط واستراتيجيات إنما يعبر عن واحد من أهم اهتمامات أى منظومة من مؤسسات الدولة الرسمية وكذلك منظومة المجتمع المدنى والمنظمات الأهلية وكذلك المؤسسات الاستراتيجية والبحثية؛ كل هذه الأدوات والآليات لابد وأن تتكافل فى تجسيد منظومة المداخل على أرض الواقع لاجتثاث قابليات هذه التوترات واتساع جغرافيتها بشكل حاسم لا يقبل الجدل ولا يحتمل التأجيل.

  • المدخل المدنى الذى يتعلق بمعاش الناس واجتماعهم وهو أمر يشير إلى ضرورة ألا ننحبس فى دائرة الملف الأمنية أو فى دائرته الدينية سواء كان ذلك فى التشخيص أو فى العلاج وتقديم مقترحات للحل.
  • المدخل المجتمعى يتحرك فى هذا الملف ليتشابك مع أحشاء مشاكل المجتمع بأسرها هذا الملف المجتمعى يتحرك صوب «رؤية جديدة لصياغة مجتمع جديد كفيلة بأن تبدل منهج النظر لبعض قضايا هذا الملف وقدرات التعامل معه بل والعمل على الإمساك بتفاصيله ومفاصله كمقدمات ضرورية لإنهائه»، إن معانى التشابك المجتمعى تعنى أكثر ما تعنى شمول النظر لطبيعة هذا الملف وشمول المعالجة والحل على حد سواء.
  • المدخل القانونى الذى يجعل من التشريع أداة أساسية للتعامل مع هذا الملف وسد كثير من المنافذ التى تنفذ منها عناصر التعصب وأساليب التمييز ونعرات الطائفية، وحجية هذا المدخل إنما تقع فى قلب ما يمكن تسميته بالوظيفة الاجتماعية والمجتمعية للقانون تؤكد ارتباط معنى المشروعية القانونية بمعانى الشرعية المجتمعية وحقائق القبول العام، هذا المدخل القانونى لابد وأن يقوم على قاعدة من إعمال القيم الكلية المتعلقة بالعدالة والمساواة والحرية من دون تمييز وفى إطار من سيادة ودولة القانون.
  • المدخل الإعلامى الذى يشكل فى هذا الملف عملا اتصاليا سلبيا بل إن الأمر لم يقف عند حد السلبية ولكنه انتقل إلى أشكال من الاتصال المفخخ والمفجر والمتفجر، لا شك أن الوقوف حيال هذا المدخل الإعلامى يؤكد ضرورة معانى المسئولية الإعلامية فى ملفات خطيرة تتعلق بمصالح الوطن وجوهر أمنه.
  • المدخل التنموى والاقتصادى يعبر عن إمكانية حقيقية للتعامل مع هذا الملف بما يحقق مواجهة كل عناصر الإفقار التى كان يتبعها النظام البائد ذلك أن الكثير من المشكلات الطائفية تبدو مسكونة بأسباب اقتصادية تتعلق فى معظمها بالفقر المدقع والجهل المتفشى ومن ثم يعد المدخل التنموى حركة ايجابية لمعالجة هذا الملف مترافقا مع مداخل أخرى ومسالك متنوعة للوقاية والحل.
  • المدخل الأمنى الذى يقع فى مقامه ومكانه لا باعتباره متحكما فى هذا الملف ومفاصله.
  • مدخل تعليمى ودراسى وتربوى آن الآوان ليشكل طاقة إيجابية فى تحقيق تماسك الجماعة الوطنية والتأكيد على عناصر العيش الواحد المشترك فى إطار من التعايش وإدارة التعدد مهما كانت صوره أو تجلياته.
  • المدخل التربوى، والعيش الواحد فى إطار يؤسس للاندماج فى الجماعة الوطنية عبر المواطنة لتأصيل العيش الواحد والنسيج الاجتماعى الواحد عبر آلية الحوار لبلوغ هذا المقصد التأسيسى فى إطار يؤصل العيش الواحد المشترك والتعارف.
  • مدخل الجماعة الوطنية الجامع القائم على أساس خيار المواطنة والذى يؤسس لمثلث المواطنة والمواطن والوطن، يقع هذا المدخل فى مواجهة المدخل الأقلوى الذى يثير ويستنفر الأغلبية والأقلية معا، إن مدخل الأقلية والأغلبية فى الساحة السياسية أمر مرغوب ومطلوب أما مد هذا المنطق إلى ساحة المجتمع والاجتماع إنما هو محاولة استنفار كل مداخل الطائفية والتعصب بل ومحاولات ومناورات لتفكيك المجتمعات.
  • المدخل المفاهيمى والمعجم المستخدم فى الخطاب المجتمعى حول هذا الملف من كلمات حساسة ربما تساهم فى تفخيخ الأدمغة وفى تفجير العلاقات، إن الكلمات فى هذا الملف الحساس يجب أن تكون بميزان حساس.
  • المدخل القيمى الذى يؤصل المعنى والمبنى المتعلق بمنظومة القيم لتأسيس قاعدة المساواة والعدل والحرية كقيم كلية حافظة للمجتمع وشبكة علاقاته المجتمعية.
  • مداخل وقائية واستباقية واستشرافية تتعلق بهذا الملف، كذلك فإنه من أهم المداخل أن تكون هناك قدرات لاستثمار طاقات وأدوات فى المجتمعات المحلية. أصول اللامركزية لإدارة هذا الملف فى إطار من حراك سريع وعمليات احتواء فى سياق مراصد للانذار المبكر الذى يتحرك بالسرعة الواجبة والفاعلية المطلوبة فى جغرافية مصر على امتدادها.
●●●

هذه المداخل جميعا إنما تشكل خطة إنقاذ حقيقية لمشروع الجماعة الوطنية الذى يمثل رصيدا للتيار الأساسى فى الأمة المصرية لا يمكن التفريط فيه أو الإسهام فى وهنه أو إهانته، إن هذا المشروع جدير بأن يكون مشروعا لهذه الثورة المباركة لتجعله واحدا من أهم أهدافها، إن استغاثة الوطن التى تشير إلى الفتنة وصانعيها إنما تستنهض كل فعل وفاعلية تمثل فى جوهرها أسس بناء وطن على قاعدة من تعاقد مجتمعى يحمى الشعب والثورة والوطن جميعا فلنسد باب الفتنة بخطابنا وأفعالنا حتى لا تشكو ثورة ولا ينسى شعب، ولا يستغيث وطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق