الجمعة، 19 أبريل 2013

وأزمة القضاء – دعوة للتفكّر ..... وائل غنيم

– هام –
قبل أن تقرأ هذه المقالة: استمع لهذ المقطع من دقيقتين لأن المقالة مبنيّة على محتوى الفيديو – وهو تصريحات واضحة من المرشح الرئاسي د. محمد مرسي عن رأيه في البراءات التي حصل عليها أفراد النظام السابق وضباط وقيادات الداخلية وموقفه من المحاكمات الثورية ورأيه في استقلال القضاء والمستشار الزند: http://bit.ly/17p33mk

– المقالة –

أولا وقبل الدخول في أي تفاصيل:
ما هي أخبار إعادة هيكلة وزارة الداخلية والتي تسببت بشكل مباشر في وقوع آلاف الضحايا بين قتيل وجريح منذ بداية الثورة وحتى اليوم؟ هل حدث إصلاح حقيقي داخل منظومة الوزارة؟ من هو القائد الأعلى للشرطة؟ الرئيس مرسي؟ .. طيب لماذا لم يصلح الجهاز؟ ولماذا يتحدث دائما عن “إن شاء الله كله هيبقى تمام” كما قال لأحد الشباب في معرض ردوده يوم حواره على تويتر حين سأله عن متى ينصلح حال الشرطة في مصر؟ .. نعم أسمعك بوضوح: لم يحدث شيء! أليس من الغريب أن يطالب حزب الرئيس بتطهير القضاء بسبب عدم إدانته لضباط وقيادات الداخلية ومعاقبة الضباط المتورطين في قتل الشهداء .. في نفس الوقت الذي لا يقوم فيه الرئيس وهو القائد الأعلى للشرطة بإجراء أي إصلاحات هيكيلية في الداخلية وما زال الشهداء والجرحى يتساقطون في عهده بالعشرات؟

فجأة علا صوت شعار “تطهير القضاء” مرة أخرى من جماعة الإخوان المسلمين وبدأت الحملات على صفحات شباب الإخوان لتطالب بالتعجيل في إصدار قانون السلطة القضائية بعد أحكام البراءات التي صدرت بحق رجال ورموز النظام السابق. والأهم من ذلك ارتفعت أسهم الحديث مرة أخرى عن “الشرعية الثورية” و”تحقيق مطالب الثورة” و”القصاص للشهداء”. هذه الشعارات الموسمية التي تختفي ثم تظهر ثم تختفي بحسب المصلحة السياسية لقيادات الجماعة.

والسؤال للجميع:
ماذا نريد في مصر؟ هل نريدها شرعية ثورية أم شرعية دستورية؟ وهل يجوز اتخاذ إجراءات ثورية استثنائية بعد إقرار الدستور؟ .. طيب وهل إذا سلمنا بمنطق جماعة الإخوان المسلمين أنه حان الوقت لإعلان الشرعية الثورية والتظاهر لتطهير القضاء والمطالبة بمحاكم ثورية، فهل من حقنا أن نُطالب غيرهم باحترام الشرعية الدستورية؟

هل نُريد لمصر توحيدا لقواعد العمل السياسي يتحاكم لها الجميع، حتى وإن كان بعضها جائرا في لحظات معينة، لكنه يضمن أن الأصل هو احترام القواعد وليس كسرها؟ .. أم أننا نريد أن تُحكم بمصر بمنطق: “اللي يقدر على حاجة يعملها”؟

ثم ألم تصدر الجماعة بيانات منذ 11 يوما فقط قالت فيه أن ما يتردد عن تخفيض سن القضاة في القانون هي أكاذيب تهدف للإيقاع بين الجماعة والقضاء المصري (هذا هو ما جاء في البيان بالنص)، ثم تعلن اليوم وبعد أقل من أسبوعين في بيانها الرسمي أنها ستتظاهر أمام دار القضاء العالي مطالبة بالتعديل في اقرار قانون السلطة القضائية رغبة منهم في استخدام القانون سياسيا لإقالة عدد كبير من القضاة عبر تعديل القانون الخاص بسن المعاش؟ [ملحوظة: وزير العدل قال في حوار تلفزيوني الأسبوع الماضي أنه يرفض تمرير القانون الآن لاستخدامه بغرض سياسي]

إن إصلاح المنظومة القضائية وإصدار التشريعات التي تسهم في تحقيق هذا الإصلاح مطلب كل مصري يبحث عن دولة العدل، كما أن محاسبة أي فاسد في كل شبر من مصر زور أو لفق أو سرق أو ظلم أيا كان منصبه هو السبيل لإصلاح المجتمع، ولكن السير وراء فصيل سياسي يرفع شعارات إصلاح المنظومة القضائية بغرض تصفية حسابات سياسية تتعلق بالأساس بمصلحة حزبه وجماعته في كسب معركة صراع بينها وبين السلطة القضائية يُفقد المعركة الكثير من طهارتها. ففي هذه الحالة تعدّى الأمر مجرد مطلب يتفق الجميع على أهدافه وآلياته وضمانات عدم إساءة استخدامه، إلى تحركات سياسية تحقق مصلحة حزبية.

السؤال المهم:
لماذا حدثت هذه التحركات الآن؟ هل هي بالفعل بسبب حكم إخلاء سبيل مبارك؟ .. القانونيون في الجماعة يعرفون جيدا أنه قد تم إخلاء سبيل مبارك بضمان محل إقامته لاستنفاده مدة الحبس الاحتياطي. ماذا كان من المفترض للقاضي أن يفعل؟ أن يأمر بتجديد حبسه بحسب قانون: “هو ده النظام”؟ وإذا كانت المشكلة في قانون الحبس الاحتياطي فلماذا لا يتم تعديله لتصحيح الخطأ المزعوم عبر إصلاح التشريع بدلا من مطالبة القاضي باتخاذ قرار يخالف صريح القانون؟

ثم ألم يقل الرئيس نفسه أثناء حملته الانتخابية (لو لم تشاهد الفيديو حتى الآن فأرجو أن تشاهده) أنه يحترم فصل السلطات وأن القضاء المصري يستحيل أن يصدر حكما بالبراءة وهو متيقن من إدانة المتهمين، وأن المشكلة كلها في أدلة ثبوت الاتهامات (يعني المشكلة مش في القاضي المشكلة في من هو مكلف بجمع الأدلة وهي أجهزة الأمن).
طيب يا سيادة الرئيس أين هي نتائج لجنة تقصي الحقائق والأدلة الجديدة المُعلن عنها؟
ولماذا لم يتم التعجيل بالتحرك القانوني خاصة وأن اللجنة تشكلت منذ شهور طويلة؟
وهل يمكن أن نطالب القاضي أن يحكم بما يخالف ضميره إرضاء للجماهير وللسلطة التنفيذية فيُدين شخصا برغم نقص الأدلة بحسب كلام د. مرسي نفسه؟
بل إن المرشح الرئاسي آنذاك دافع وقتها عن قاضي محاكمة مبارك والذي برء كافة المتهمين فيما عدا مبارك وقال أن واجبه بعد وصوله لرئاسة السلطة التنفيذية الآن هو إيجاد الأدلة التي تدين النظام السابق وتقديمها للمحكمة؟ ..
بل ألم يقل وقتها أنه يكن كل احترام وتقدير للمستشار الزند الذي وصفه بأنه رئيس نادي القضاة الذي وقف أمام تزوير انتخابات 2005؟!

إذا كان هناك دليلا على فساد قاض أو مجموعة قضاة أو تورطهم في أي شبهة فساد فبرّء هؤلاء متهما أفلت من العقاب أو أدانوا بريئا ظلما وعدوانا فليُحاسَب كل قاض فاسد بحسب جريمته. أما ما يحدث الآن فهو باختصار تحويل الصراع إلى صراع سُلطة تنفيذية تسعى لإضعاف السلطة القضائية واستغلال شعارات كـ “القصاص” و”محاكمة الفاسدين” لدغدغة مشاعر الجماهير الغاضبة.

لا ننحاز لفاسد أيا ما كان منصبه في أي سلطة ونطالب بالتحقيق معه ومعاقبته على أي جريمة يرتكبها، ونؤكد على عدالة مطالب القصاص ومحاسبة الفاسدين في النظام السابق والحالي أيضا، وكذلك نرفض بوضوح أن نكون أداة نُستخدم في صراع سلطة لا يهدف لتحقيق القصاص ولا لإقامة دولة العدل والقانون بل لتصفية الحسابات السياسية.

ملحوظة لجماعة الإخوان ولرئيس الجمهورية:
لم ننسى أن في يوم واحد فقط استُشهد في عهد الرئيس مرسي أكثر من أربعين مواطنا مصريا من مدينة بورسعيد، ولم يتم القصاص من قتلتهم ولم نعرف شيئا عن الأدلة التي تدين كل من أجرم وسفك دماء مصرية. فهلّا بدأ الرئيس بنفسه هو ونائبه العام بكشف غموض مقتل هؤلاء المصريين ومحاسبة من قتلهم؟

والله لا نريد إلا العدالة ونسعى للقصاص للشهداء الذين لا زالت جنائزهم مستمرة حتى يومنا هذا. فالقصاص إن لم يكن لنا، فهو لأمهات الشهداء الثكلى ولإقامة دولة العدل والقانون. لكننا لم ولن نرضى بعدالة انتقائية ترتفع وتخفت فيها الأصوات مستندة على حسابات المصلحة السياسية لا حسابات المصلحة الوطنية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق