الجمعة، 5 أبريل 2013

هل نودع نظرية المؤامرة ونبني صرح النقد الذاتي ؟!.. بقلم د/ ناجح إبراهيم

بعض الإسلاميين الجدد يتعاملون ويفكرون ويتحركون الآن تحت تأثير نظرية المؤامرة .. ناسين أن هذه النظرية هي التي ضيعت العقل العربي والإسلامي سنوات طويلة.
فكل شيء يحدث هو مؤامرة .. ولو حدث الشيء ثم حدث نقيضه قالوا على الأولى  وعكسها أيضا ً مؤامرة.
 صحيح أن هناك أطرافا ً كثيرة لا تريد للإسلاميين أن يبلغوا أهدافهم .. ولكن  لا هؤلاء ولا غيرهم يملكون مفاتيح الكون ولا مجريات الأحداث .. وإلا لما انتصر المسلمون الأوائل على إمبراطورية الفرس والروم رغم تحديهما لدولة الإسلام الأولى .. ولما انتصر صلاح الدين على الصليبيين في حطين .. ولما انتصر أبو بكر يوم الردة ..  ولما انتصر سعد في القادسية .. وخالد في اليرموك .. ولما أقام أردوغان دولة إسلامية حديثة متطورة في قلب أوربا التي تكره تركيا والإسلام كراهية شديدة .. ولا ترغب أبدا ً في قيام أي دولة إسلامية حتى على أطراف أوروبا.

المشكلة  ليست في التآمر علينا ولكن المشكلة فينا نحن.
فهل نعمل للإسلام ونحو أهدافنا العليا بطريقة صحيحة أم خاطئة ؟
هل نقدم الإسلام والأوطان على أحزابنا وجماعتنا وأشخاصنا وذواتنا أم يحدث العكس كثيرا ً ؟
هل نتبع الإسلام ظاهرا ً وباطنا ً .. أم نأخذ منه ظاهره ونترك منه جوهره وباطنه؟!!
هل نعمل بالإسلام  حتى لو كان لا يصب في مصلحتنا الشخصية أو الحزبية ؟!!

الحقيقة أن البعض منا لا يعرف الإسلام والدين إلا عندما يوافق مصلحته وهواه..
فليس كل من يهزم يكون بسبب مؤامرة الآخرين عليه.. فقد يهزم لفشله وتخبطه وسوء إدارته وقلة خبرته وغلبة هواه .
وليس كل من يفشل سياسيا ً أو اقتصاديا ً أو إداريا ً تكون المؤامرة هي السبب الرئيسي في فشله .. فقد يكون السبب الأساسي في فشله أنه لم يأخذ بكل أسباب النجاح .. فمن بذر البذور في السباخ ثم لم يخرج له ثمر فلا يلومن الإسلام ولكن عليه أن يلوم نفسه  ولا يحتج بنظرية المؤامرة .. ومن واجه الدبابة بالبندقية ثم هزم فلا يلومن الإسلام وعليه أن يلوم نفسه .. ومن أراد أن يقود الدولة العصرية بعقلية الفكر السياسي القديمة التي لا تمت للإسلام نفسه بصلة .. لأن الإسلام متجدد ومتطور مع الوسائل والآليات وثابت فقط مع ثوابته .. أما من جعل الإسلام كله جامدا ً ثابتا ً غير متطور واستاتيكي حتى في المتغيرات والوسائل والآليات ثم فشل فلا يلوم الإسلام .. ولكن عليه أن يلوم نفسه.  

إن تأمر الأعداء والخصوم سنة ماضية في الكون ولكنها لا تدير الكون ولا تتحكم فيه ولا تجري أقداره .. ولكن أقداره تسير بسنن الله التي تقول أن من أخذ بأسباب النصر انتصر حتى لو كان غير مسلم ..  ومن أخذ بأسباب الهزيمة والخذلان هزم حتى وإن كان مسلما.
 وتقول أيضا ً إن الله يقيم وينصر الأمم والدول والجماعات العادلة .. حتى وإن كانت غير مسلمة .. ويزيل الأمم الظالمة حتى وإن كانت مسلمة.  
والغريب أن نظرية المؤامرة تصطدم بسنن الله في خلقه وخاصة سنتي التغيير الإيجابية والسلبية التي ذكرهما القرآن في قوله تعالى " إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ", وقال تعالى عن سنة التغيير السلبي " ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ".

فهل كل فشل يلحق بنا يكون نتيجة مؤامرة  مع أن عوامل التقصير والغفلة والخطأ تكون ظاهرة للعيان ولكل ذي بصر أو بصيرة.
إن بناء آلية النقد الذاتي الفردي والجماعي داخل صفوف الحركة الإسلامية يكاد يكون معدوما ً .. وقد أسماها القرآن "النفس اللوامة "فلا بد أن تكون نفس لوامة فردية وجماعية حتى ننهض برسالتنا ونحقق أهدافنا السامية.
إن الإسلامي الآن لا يجرؤ على نقد الإسلامي الآخر حتى وإن علم أنه سيجر مصيبة على نفسه وعلى جميع الإسلاميين .. خوفا ً من تقريع ولوم بل وشتم أتباع الآخر.
وما أدراك ما شتم وسب أتباع المنصوح إنها نار تلظى .. حتى أنك اليوم يمكنك أن تكيل اللوم والتقريع لألف ليبرالي وعلماني فيقبلون ذلك دون أي رد فعل أو شتائم .. فإذا وجهت نصحا ً رقيقا ً راقيا ً لإسلامي نتيجة خطأ واضح وضوح الشمس يراه المصريون جميعا ً   نارا ً تلظى من شتائم الأتباع التي يندي لها الجبين دون أن يناقش أحد من هؤلاء مغزى أو مدلول أو فحوى هذه النصيحة الرقيقة.
وكأننا لا نخطأ أبدا ً حتى في السياسة التي هي محل للاجتهاد والأخذ والرد والخطأ والصواب
وكلما ضاق صدرنا بالنقد البناء علمت أن الحركة الإسلامية على خطر عظيم .. فإذا كان هذا حالها قبل الوصول للسلطة .. فكيف بها إذا وصلت للسلطة وامتلكت السيف والنطع والسجن وكل شيء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق