الأربعاء، 1 ديسمبر 2010

عملية صناعة القرارات….. ج1/2

نموذجٌ عمليّ لصناعة قراراتٍ أفضل في فريقك
وازن بين الكفاءة وبين المشاركة والتأييد

آندريا كورني
مدرّبة مخضرمة ومديرة لشركتها الاستشارية الخاصّة

 يرجع جزءٌ كبير من الإرباك والتوتّر في فرق العمل إلى عدم الوضوح في عملية صناعة القرارات. ولعلّ مصدر الغموض والحيرة الأكبر هو "القرارات الجماعية".
فهل يعني "القرار الجماعي" أن المدير يحتاج إلى طيفٍ واسعٍ من الآراء والنقاشات قبل اتخاذ القرار؟ أم تراه يعني أن القرار النهائي لن يتخذ قبل موافقة كل واحد من المشاركين؟
إن أياً من التوجّهين يمكن أن يكون فعالاً، والمشكلة الحقيقيّة تنشأ عندما تفتقر مجموعة صناعة القرار إلى المعرفة الواضحة بالتوجّه المطلوب فيها.
سيمضي كل واحدٍ في وضع افتراضاته الخاصة، وهيهات أن تتفق افتراضات أفراد المجموعة! وهذه الافتراضات أو التصوّرات المتخالفة ستجعل عملية صناعة القرار مضنيةً مؤلمةً في أحسن الأحوال، ومدمّرة لإنتاجية الفريق وكفاءته في أسوئها.
من بين الفرق الكثيرة التي اشتغلت معها لم أكد أرى فريقاً يخلو من مشكلات صناعة القرار، ولذلك فإنني أقدم في السطور التالية نموذجاً مبسّطاً لصناعة القرار يضمن اتباعه من قبل أفراد الفريق جميعاً بناءَ لغةٍ مشتركةٍ ومنظورٍ مشترك تساهم مساهمةً جوهريةً في تقليص الوقت والجهود المضيّعة في تقليب الآراء وتجاذب وجهات النظر على غير هدى.

القرار التحتيّ لبناء كلّ قرار: كيف نقرّر؟
يتكوّن القرار التحتيّ (أو القاعديّ) من ثلاثة أسئلة بسيطة ينبغي عليك كقائد للفريق أن تبيّن إجابتها بوضوح لأعضاء الفريق.
1- من صاحب القرار؟
ينبغي أن يكون هناك شخص واحدٌ مسؤولٌ عن صناعة القرار أو عن تيسير عمل المجموعة التي تصنع القرار، يتحمّل هذا الشخص مسؤولية الوصول بالقضية إلى نهاية جازمة. قد يكون هذا الشخص أنت قائد الفريق أو أحداً آخر تفوّضه، وعليك توصيل ذلك بوضوح لكل أعضاء الفريق.
2- من سيشارك في صناعة القرار أو في تقديم الرأي والمعلومات؟
قد تكون أنت صاحب القرار ولكن إن لم يكن لديك كل ما يلزم من خبرات أو معلومات فلا بدّ من مشاركة آخرين. يُقبل كثيرٌ من الناس على بذل ما لديهم من بصائر ومعارف ولكنّهم يريدون أيضاً من يطمئنهم ويخبرهم أنهم لا يضيّعون أوقاتهم في استعراض آراء لن يصغي إليها أحد. هنا أيضاً نرى التبيين الواضح للأمر ركناً من أركان النجاح.
3- من بين أنماط صناعة القرار الأربعة أي نمطٍ سيستخدم؟
يتناول هذا السؤال النقطة التي يحدث عندها معظم الاضطراب. إنّ تلقّي الآراء من أعضاء الفريق هو شيء آخر غير توكيل الفريق بصنع القرار، ولكنّ معظم القادة لا يبيّنون أيّ نهجٍ من هذين الاثنين يتبعون.

الأنماط الأربعة لصناعة القرار

اختيار وتفهّم نمط صناعة القرار مسبقاً هو الإجابة الجوهرية الأهمّ في مجموعة الأسئلة التي يتطلّبها القرار التحتيّ (قرار كيف سنصنع القرار) ومشاركة هذه اللغة بينك وبين أعضاء فريقك ستجعل رسم المطالب الواضحة أمراً ميسوراً.
أ- النمط الفردي
يقوم القائد بصنع القرار دون استشارة الآخرين. قد يطلب معطيات ومعلومات ولكنّه لا يطلب أفكار الآخرين الخاصة بتعريف المشكلة أو توليد الحلول.
ب- النمط الاستشاري
يتشارك القائد عرض المشكلة وتعريفها مع الآخرين فرادى أو جميعاً ويستدعي أفكارهم واقتراحاتهم، وبعدئذٍ يقوم بصنع القرار الذي لا يشترط تأثره بالاقتراحات المقدّمة.
ج- نمط الإجماع (أو التوافق)
يتشارك القائد عرض المشكلة وتعريفها مع فريقه ويقوم بإعداد وتنفيذ مناقشة جماعية. ثمّ تولّد المجموعة البدائل وتقيّمها وتحاول التوصّل إلى اتفاقٍ على قرار واحد.
د- نمط التفويض:
يحيل القائد المسألة إلى أحد أعضاء الفريق ويترك له اتخاذ القرار.

ماذا نعني بالإجماع؟

تتردّد كلمة الإجماع (أو التوافق) في كل حين بين كل المشاركين ولكنّها قليلاً ما تعني الشيء ذاته لدى كلّ منهم. وفي سياق نموذجنا هذا فإنّنا نقصد بالإجماع (أو التوافق): إيجاد طرحٍ يحقّق من القبول لدى كل الأطراف ما يكفي لتحقيق رضاهم عنه واكتساب تأييدهم له.
الإجماع (أو التوافق):
- ليس تصويت موافقة تامّة
- وليس الخيار أو الأولوية الأولى لدى كلٍّ من الحاضرين
- وليس تصويتَ موافقة بالأغلبية
- وليس محققاً للرضا التام لدى كل المشاركين
يتطلّب الإجماع:- وقتاً أكثر لصنع القرار (ولكن كثيراً ما يتطلب وقتاً اقلّ لتنفيذه)
- مشاركة فاعلة من كل أعضاء المجموعة
- مهاراتٍ في التواصل والإصغاء وحل النزاعات وحضور من ييسّر جريان نقاشِ شفّاف متفتّح
- تفكيراً إبداعياً
- رحابة صدر وعقل
- تخلّياً عن كثيرٍ من التفضيلات الشخصية وحظوظ الأنفس والمصالح وجعل تلبية احتياجات المؤسسة واحتياجات الآخرين موازيةً في أهميتها لتلبية المرء أهدافه واحتياجات نفسه.
يتطلّب صنع القرار بالإجماع (أو التوافق) وقتاً وجهداً أكثر من أيّ عملية أخرى ولا ينبغي اللجوء إليه إلاّ في المسائل المهمّة. لا تبدّد طاقة المجموعة وطاقتك على ما لا يستحقّها.

عوامل اختيار نمط صناعة القرار

يمكن لكلٍ من أنماط صنع القرار أن يكون ناجعاً في المواضع المختلفة. والقائد الفعّال هو الذي يمتلك مرونةَ استخدام كل الأنماط الأربعة ونفاذ البصيرة وحسن التقدير لاستشعار أوان كلٍ منها.
ليس هناك قواعد واضحة ثابتة تملي اختيار كل نمط وإنّما هناك عوامل تفيد مراعاتها فائدةً كبيرة في إضاءة المسار وانتقاء النمط الأنسب.
1- أهمّية القرار:
كم هو مهمٌ تحقيق درجةٍ رفيعةٍ من الجودة في القرار؟ إن كانت الجودة الرفيعة مطلباً حيوياً بالغ الأهمية فينبغي على القائد اللجوء إلى عمليةٍ صناعة قرار تستثمر في آنٍ واحد المعلومات المتاحة والتفكير التعاونيّ. وما لم يوجد شخصٌ تتوفّر لديه خبراتٌ استثنائية في موضوع القرار فإنّ نقاشات المجموعة ستقود في معظم الأحوال إلى قراراتٍ أفضل من القرارات الفرديّة.
2- تعقيد القرار:
كلّما ازداد تعقيد القرار ازدادت حاجة القائد إلى آخرين يشغّلون عقولهم معه. إنّ النظر إلى المسألة المعقّدة من زوايا مختلفة بعيونٍ مختلفة سوف يزيد زيادةً كبيرة ثقة القائد في عدم إغفاله أحد الجوانب المهمّة.
3- كفاية المعلومات والخبرة
هل تتوفر لديك المعلومات الكافية لتعريف المسألة وتوليد حلولها؟ وهل تعرف ما يلزمك من معلومات؟ هل تعرف من أين تحصل على هذه المعلومات؟ هل لديك خبرةٌ في هذا المجال؟ وفي فريقك، من لديه هذه الخبرة؟
إن لم يكن لدى القائد معلوماتُ كافية ولا خبرة وافية فعلى أيّ شيءٍ يعتمدُ قراره الفردي؟ إنّه يغامر مغامرةً خطرة!
4- تأييد القرار:
هل يتوقّف التنفيذ الناجح على موالاة الفريق للقرار؟ هل يمكن أن يتقبلوا قراراً فردياً؟
مع ازدياد الحاجة إلى التزام واندفاع الآخرين في التنفيذ تتصاعد الحاجة إلى إشراكهم في صنع القرار. وجدير بالتذكير هنا أنّ المشاركة في صنع القرار لا تعني صنعه بالتوافق حتماً، فمجرّد التشاور يفي بالغرض في بعض الأحيان.
وإلى جانب ضمان التأييد فإنّ الفائدة الأخرى للمشاركة في صنع القرار هي أنّ التحديات والعراقيل المصادفة إبان التنفيذ سيتمّ اكتشافها ومعالجتها بسرعة قبل أن تستفحل وتصبح مشكلاتٍ صعبة المعالجة.
عزيزي القارئ: ما كل القرارات بيدنا وسعة الصفحات تحكمنا! مع الجزء الباقي من هذه المقالة نتابع في العدد القادم بقية عوامل انتقاء القائد نمط صناعة القرار، ونبيّن المواضع المحتملة لكل نمط. ونختتم ببيان بعض المشكلات في صناعة القرار مع أعضاء الفريق، وبيان خطواتٍ عمليةٍ في تطبيق النموذج الذي تعرضه هذه المقالة. فإلى لقاء بإذنه تعالى.
==============================================
منقول عن مجلة إبداع    http://ebdaa.ws/mainart.jsp?ArtID=2080

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق