الأربعاء، 1 ديسمبر 2010

الدولة.. وظيفة ورسالة... طارق سويدان

الدولة بمؤسساتها المختلفة، ممثلة برئيسها، أو أميرها، أو خليفتها، أو إمامها الأعظم ذات وظائف كثيرة وذات رسالة واضحة، لا تتمتع الدولة بمصداقيتها الشرعية إلا بأدائها والقيام بها حق القيام، ومن بين هذه الوظائف:
(1) حفظ الدين على أصوله التي جاء بها الكتاب والسنة، وأجمع عليها سلف هذه الأمة، بحيث إذا زاغ ذو شبهة، أو نجم مبتدع أخذ على يديه إن استمر على زيغانه، أو أصر على بدعته بعد أن أقيمت عليه الحجة، ووضحت له المحجّة.
(2) حفظ الأخلاق العامة، واحترام الأعراف الرائدة، وتنمية روح الفضيلة، وتنمية المظاهر الراقية في المجتمع، ومنع الأخلاق الفوضوية، والشذوذات المشينة والعادات والأعراف السيئة، والمنكرات الحادثة والمستوردة.
(3) تنفيذ أحكام الله تعالى المتعلقة بالمعاملات المالية والمدنية، والأحوال الشخصية، والجنايات وغيرها.
(4) نشر الطمأنينة والأمن في البلاد، وتحقيق المصالح المختلفة وحمايتها، من اقتصادية واجتماعية، وثقافية، ورعاية المنافع العامة في الأمة.
(5) إقامة العدالة بين الناس، ورعايتهم جميعاً بالسوية، من غير اعتبار لأية قرابات، وطبقات، ومحسوبيات، عملاً بقول الله تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) النساء:58. وقوله تعالى: (ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) المائدة:8. وحذراً من قوله: (وأما الفاسقون فكانوا لجهنم حطباً) الجن:15. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور، الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا" رواه مسلم. وقال: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة إمام جائر" رواه أبو يعلى. وقال: "ما من أمير عشرة إلا وهو يؤتى به يوم القيامة، مغلولاً حتى يفكه عدله، أو يوبقه الجور". رواه البزار والبيهقي.
(6) تولية الصالحين، وتوظيف الأكفاء، واستعمال الشرفاء الغيورين على مصالح الأمة، وإقصاء الفاسدين، وأصحاب الأغراض، والضعفاء والعاجزين عن حمل المسؤولية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرّمه الله على الجنة" رواه البخاري. وأي غش للأمة أعظم من أن يتولى زمام أمورها الفاسدون ويحكّم في مصالحها العابثون، والمستهترون. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم إذ جاء أعرابي، فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال، فكره ما قال. وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه، قال: "أين السائل عن الساعة؟". قال: ها أنا يا رسول الله، قال: "إذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة". قال: كيف إضاعتها؟ قال: "إذا وسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة". رواه البخاري. وعن أبي موسى الأشعري قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمّي، فقال أحدهما: يا رسول الله أمّرنا على بعض ما ولاّك الله عز وجل، وقال الآخر مثل ذلك، فقال رسول الله: "إنا والله لا نولّي هذا العمل أحداً سأله، أو أحداً حرص عليه" رواه البخاري ومسلم. وقد حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك المتساهلين في حقوق أعمالهم ووظائفهم، والمفرطين في واجباتهم، فقال: "إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة". رواه البخاري. وقال لأبي ذر حين قال للنبي ألا تستعملني؟ : "يا أبا ذر، إنك لضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدّى الذي عليه فيها". رواه مسلم. لذلك كان على الرئيس، أو الأمير، أن يراقب عماله، وأن يسائلهم، ويحقق معهم، إذا ارتاب بأحد منهم. عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد على صدقات بني سُليم يدعى ابن الأتبيَّة فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالكم، وهذا هدّية، فقال رسول الله: "فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً" ثم خطبنا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي، فيقول: هذا مالكم، وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً، والله لا يأخذ أحد منكم منها شيئاً بغير حقه إلا لقي الله تعالى بحمله يوم القيامة"، ثم رفع يديه حتى رُؤي بياض إبطيه، ثم قال: "اللهم هل بلغت؟" رواه مسلم. وقال: "من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطاً فما فوقه كان غلولاً يأتي به يوم القيامة" رواه مسلم.
(7) تأمين حرية المواطنين، ورعاية الكرامة الإنسانية، وهذا من واجبات الدولة، وعلى رأسها رئيسها، فالإنسان مكرم، وقد خلق الله الناس أحراراً، فليس من حق أحد أن يهينهم، أو يهدر كرامتهم، أو يصادر حرياتهم المشروعة، قال الله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) الإسراء:70. وقد أباح الدين للإنسان أن يفكر، وأن يعبر عما في نفسه، وأن يتعلم، ويعلم، ويبيع ويشتري، ويشارك، ويعاقد، ويفعل ما يحلو له إذا كان ذلك ضمن القانون والخلق، والصالح العام، وعلى الدولة أن تهيئ لكل فرد هذه المجالات وتدعه يبدع في كل هذه الميادين من غير حدود، ولا مضايقة ولا إكراه ولا مراقبة. وقد أمر الله عز وجل نبيه المصطفى أن يعرف للناس حقوقهم، فلا يحول دون الناس ومصالحهم الشرعية، ولا يطرد شخصاً لهوى أحد من الناس، فقال: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين) الأنعام:52. وقال له: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس:99. وقال: (وما أنت عليهم بجبار) ق:45. وقال: (إن عليك إلا البلاغ) الشورى:48. وليس شيء أضر على الوطن والمواطنين من إهدار كرامات الناس ومصادرة حرياتهم المشروعة، فإنهم يومئذ يكرهون الحكم والحاكمين، وتمتلئ صدورهم بالغل والأحقاد، وتسود الفرقة وتذبل المواهب، وينصدع كيان الأمة، وتذهب مواهبها وطاقاتها، فعلى الدولة أن تدرك ذلك، وتعمل على رأب الصفوف، وتوفير دواعي المحبة بين الناس، وبين الحاكم والمحكوم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم". رواه مسلم.
(8) تحصين الحدود والثغور بالعدة الكافية، والقوة المانعة، وتحقيق كل ما يلزم لحماية الوطن، وحفظ استقلاله، قال تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ورباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم) الأنفال:60.
إن الدولة إذا قامت بهذه الواجبات في داخل حدودها وأمنت للوطن والمواطن حقوقه، وكرامته، وحريته، كان لزاماً على الناس أن يلبوا طاعة أولي الأمر، ويجرّدوا السنان والحسام لمناصرتهم، والدفاع عنهم، والدعوة لهم، قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) النساء:59. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي رأسه زبيبة" رواه البخاري. وقال: "من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له". رواه مسلم.
أما رسالة الدولة فإنما هي بعد أداء وظائفها المذكورة، فإنما هي الدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة، والجهاد في سبيل ذلك بما تقدر عليه من الوسائل، والأدوات، وعلى الدولة بمؤسساتها أن تقوم بهذا الواجب عن طريق علمائها، وبعثاتها، وإذاعاتها، وفضائياتها، ومكاتبها، وكل الوسائل المتاحة إليها، وهي المكلفة بالدرجة الأولى، ومسؤولة عن هذا الواجب العظيم. وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) المائدة:67.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق