الأحد، 19 ديسمبر 2010

صلاح سلطان: الإجماع نظرية لا علاقة لها بالواقع الفقهي


صلاح سلطان: الإجماع نظرية لا علاقة لها بالواقع الفقهي 

حوار – حامد العطار
 
في هذا الحوار ينادي الدكتور صلاح سلطان المستشار الشرعي للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ووزارة الشئون الإسلامية بالبحرين بإحداث ثورة علمية على هذا الركن الكبير- الإجماع- وسلبه أهم خصيصة اكتسبها على مر العصور الفقهية المتزامنة، خصيصة "الحجية!
 
فبينما نطالع في كتب الأصول في تراثنا الأصولي والفقهي جميعا أن الإجماع حجة بنفسه، مثله مثل الآية والحديث على اختلاف في بعض التفاصيل نجد الدكتور صلاح سلطان يرى أن الإجماع ليس حجة ولا دليلا من أدلة التشريع، بل يرى أن الإجماع فكرة تجريدية نظرية لا علاقة لها بالواقع الفقهي.
 
أي إن فقهنا على مدار أربعة عشر قرنا من الزمان لم يستطع أن يبرهن على وجود حكم فقهي مجمع عليه بالمقاييس التي حددها الأصوليون.
 
قضية كبيرة لا تنفع فيها العنعنة ولا الرواية أو الوساطة، بل لا بد من الاستجلاء الواضح، والحوار المباشر، لهذا كان لنا مع فضيلته هذا الحوار:
 
 
* في البداية، هل كنت تتوقع وأنت تكتب في حجية الإجماع وتسبح ضد التيار أن يتقبل العلماء هذه الدراسة النقدية، خاصة أنك قدمتها في رسالة علمية (الدكتوراة) ومعروف أثناء مناقشة رسائل الماجستير والدكتوراة أنها تناقش الباحث مناقشة عنيفة خاصة فيما يتبناه من آراء مخالفة للاجتهادات السائدة؟
 
- الأصل ألا ينظر الباحث إلى مدى قبول العلماء أو رفضهم أثناء مناقشة القضية العلمية، وإنما ينظر إلى ما تؤدي إليه الأدلة التي أمامه، فليس من الموضوعية أن أحرص على تقديم ما يقبله الناس، فنحن لا نقدم ما يطلبه المستمعون، علماء كانوا أو غير علماء، وإنما نقدم ما يصلح المستمعين مما تقتضيه نصوص الكتاب والسنة، بمعنى آخر، لا يجوز أن ندخل إلى أية قضية بمقررات سابقة، فنلوي أعناق النصوص لكي نؤكدها.
 
وعندنا مقررات كثيرة، تناقلها كثير من العلماء على مر العصور دون تمحيص، ومن هنا دخلت إلى قضية الإجماع دون مقرر سابق، ودون الاعتماد على ما قرره العلماء السابقون حول الإجماع من الأمور التي لم يدل عليها نصوص قطعية من الكتاب والسنة.
 
وأنا أريد هنا أن أحكي سرا، فقد قرأت عن الإجماع ستة أشهر، ظللت أتنقل فيها بين كتب الأصول، فتبين لي أن فكرة الإجماع فكرة تجريدية أكثر منها عملية واقعية، فأردت أن أعرض هذا الأمر على أستاذي محمد البلتاجي حسن، وقد كان عالما ثريا في علمه إلا أنه كان عنيفا، وقد كنت أوصله من الجامعة إلى محطة مصر أحيانا، وفي الطريق نتناقش في بعض القضايا العلمية، وفي هذه المرة التي قررت أن أخبره فيها عما بدا لي حول الإجماع، أضمرت في نفسي ألا أخبره إلا بعد أن نصل إلى المحطة بالفعل، حتى لا يصيبني من عنفه إلا شتمة أو شتمتين قبل مجيء القطار!!
 
وبالفعل انتظرت حتى وصلنا إلى محطة مصر، وأخبرته أنني أقرأ حول الإجماع منذ ستة أشهر، وتبين لي أن نظرية الإجماع كلها تحتاج إلى إعادة صياغة على مستوى الفكرة والشروط وغير ذلك، وأن جميع ما كتب حولها لا يعدو أن يكون نظرية تجريدية لا علاقة لها بالواقع العملي الذي قدمه الصحابة رضوان الله عليهم!!
 
كنت أقول هذا وأنا أنتظر أن يلتفت إلي بعنفه المعهود، فإذا به يستدير إلي بعنف قائلا: "ولد أنت هييجي منك" ثم قال: إن هذا هو ما أومن به منذ 30 عاما، لكني أخشى من التصريح بهذا أو الكتابة عنه خشية من ضيقي الأفق، فاكتب وأنا سأدافع عنك إذا أثبت وجهة نظرك!
 
ذهبت وأنا أشعر كأني ولدت من جديد؛ لأنني كنت بين أمرين: إن طلب مني أن أكتب عن الإجماع كما يكتب العلماء فكنت سأصرف النظر عن الكتابة في الموضوع، مضحيا بسنة من الدراسة، وأنتظر أن أكون حرا فأكتب ما أقتنع به.
 
لكن الدكتور البلتاجي رفع عني هذا الحرج، فأخذت أتجول بين كتب الأصول وأتبحر فيها، فخرجت برؤية، قد أكون مخطئا فيها، لكنني أحسب– إن شاء الله– أنها أقرب إلى الصواب.
 
وعندما انتهيت من الرسالة أعددت بحثا آخر عن الغلو في حجية الإجماع وألقيته في إحدى الجامعات العربية في لقاء علمي للأساتذة فقط، فقال أحد الأساتذة: إن هذا انقلاب في علم الأصول، قلت: لعله محاولة "انعدال". وقد ظللت أكثر من 10 سنين مترددا في نشر البحث على عامة الناس، لكنني بعد الاستخارة والاستشارة قررت نشره أملا أن يكون إضافة إلى علم الأصول في تضييق الفجوة بين الحقيقة والتنظير.
 
مفهوم الإجماع
 
* أظن أنه يحسن بنا ابتداء أن تبين ما المقصود بمصطلح الإجماع عند الأصوليين.
 
-الإجماع حسب تعريف الأصوليين: "اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر من العصور بعد وفاته على حكم شرعي".
 
معنى ذلك أنه لابد من حدوث اتفاق بين جميع المجتهدين، وإذا لم يحدث اتفاق بأن خالف ولو واحد منهم فلا يتحقق الإجماع. كما أن الأمر مقصور على المجتهدين فلا دخل لغيرهم.
 
كما نلاحظ أن الإجماع بهذا المفهوم لا يتحقق إلا بعد وفاته (صلى الله عليه وسلم)، كما أن النطاق الذي يعمل فيه الإجماع هو الأمور الشرعية العملية دون العقائد والأخلاق.
 
كما أنه لا يشترط تتابع العصور على الإجماع، بل يحدث الإجماع بمجرد اتفاق المجتهدين في أي عصر من العصور بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم).
 
ومن الأشياء التي لاحظتها على تعريف الأصولين للإجماع:
 
- أنه لم يحدث إجماع على تعريف الإجماع، بل لم يحصل اتفاق على أهم أركانه، مثل اشتراط دخول العوام في الإجماع أم المجتهدين فقط؟ وهل ينبغي تحقق الإجماع في كل العصور على أمر معين أم يكفي الاتفاق في عصر من العصور؟ وهل هو حجة في كل الأمور أم في الجوانب الدينية عامة أم الشرعية خاصة؟
 
- بالرغم من شدة بحثي لم أجد تعريفا واحدا للإجماع لأحد من الصحابة رضوان الله عليهم أو التابعين أو تابعي التابعين أو أحد الأئمة الأربعة، أو كبار فقهاء القرن الثاني الهجري، مثل الليث بن سعد والأوزاعي ومحمد بن الحسن والشيباني وأبي يوسف.
 
معنى ذلك أن القضية التي سيتم فيها الإجماع قضية جديدة، فمثلا هل توقف القول بوجوب الصلاة حتى يجتمع لها المجتهدون ويثبتون حجيتها من جديد؟ حتى يقال: ثبتت فرضية الصلاة بالكتاب والسنة والإجماع؟. ومثل ذلك نقول في حرمة الزنا، والقضايا القطعية، (القطعي- كما يقول الجويني- لا يحتاج إلى الاعتضاد بغيره).
 
* وماذا عن المذاهب الأربعة، ألم تقل بحجية الإجماع؟
 
       -            نستطيع أن نستنتج بوضوح من خلال مراجعة كتب الأصول المختلفة أن نسبة حجية الإجماع إلى كل الأئمة الأربعة موضع نظر أو فيها شك!
 
 فالإجماع عند أبي حنيفة غير واضح ولم ينص على قبوله، وحديث الإمام مالك عن الإجماع يأتي في سياق الإجماع السكوتي وإجماع أهل المدينة خاصة، وهذا شيء آخر غير الإجماع الأصولي، والشافعي في الأغلب يرى الإجماع اتفاقا على نص قطعي في مسألة لا يجهلها أحد من المسلمين، ولا يعترف إلا بالإجماع في عصر الصحابة فقط.
 
والإمام أحمد أقصى ما يقال عنه إنه أخذ بفكرة الإجماع السكوتي، والذي يسميه ما لم يعلم فيه خلاف، وفي الإجماع السكوتي اختلافات واسعة في حجيتها.
 
وعلى هذا فإن ما يردده كثير من الأصوليين أن الإجماع حجة عند الجمهور إلا فئة شاذة، مثل (النظام والإمامية وبعض الخوارج).. هذا القول فيه نظر؛ حيث يبدو أن الخلاف حول حجية الإجماع أوسع من ذلك بكثير.
 
* وما "الإجماع السكوتي"؟
 
- الاتفاق قد يحصل بقول صريح من كل المجتهدين، وقد يحدث بقول قائل أو مجموعة ويسكت الباقون فيعد هذا إجماعا عند الأصوليين. أما النوع الأول فيسمى الإجماع الصريح، وأما الثاني فيسمى الإجماع السكوتي.
 
* لكن للقائلين بحجية الإجماع أدلة كثيرة، فالمشهور مثلا أنهم يستندون في ذلك على قوله تعالى: "وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء/115]
 
بالرجوع إلى كتب التفسير والأصول وجدت أنه لم يحدث اتفاق بينهم على الاستدلال بهذه الآية على حجية الإجماع، فمثلا أكثر المفسرين لم يوردوا شيئا عن صلة هذه الآية بحجية الإجماع، مثل عبد الله بن عباس والطبري شيخ المفسرين مع أن الطبري مفسر فقيه جاء بعد زمن الشافعي، فلا شك أنه عرف استدلال الشافعي بهذه الآية.
 
موقف المفسرين
 
* و ما موقف المفسرين المهتمين بتفسير آيات الآحكام، أعني المفسرين الفقهاء والأصوليين؟
 
- عندك السيوطي الفقيه الأصولي المحدث لم يشر إلى الإجماع في تفسيرها، والقاضي ابن العربي الذي يفسر آيات الأحكام، لم يضمن هذه الآية تفسيره مما يدل على عدم وجود دليل في الآية على أمر عملي.
 
* فما دلالة الآية إذن إذا لم يكن لها تعلق بالجانب الفقهي العملي؟
 
- دلالتها عقدية، فمشاقة الرسول (صلى الله عليه وسلم) تعني الردة عن الإسلام، ومعاداة النبي (صلى الله عليه وسلم) ومباينته بأن يصير المعادي في شق غير الذي فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) مثلما فعل طعمة بن أبيرق، الذي سرق بالمدينة، فقضى النبي (صلى الله عليه وسلم) بقطع يده فهرب إلى مكة مرتدا.. وفيه نزلت الآية.
 
* لكن ألا يوجد من المفسرين من أشار إلى دلالة الآية على حجية الإجماع؟
 
- يوجد من المفسرين من أشار إشارة سريعة إلى أن هناك من استدل بهذه الآية على حجية الإجماع دون ترجيح لهذا الاستدلال أو بيان وجهه، ومن هؤلاء الجصاص الحنفي والقرطبي المالكي وأبو السعود في تفسيره.
 
بل أكثر من ذلك، وجدت تفاسير عارضت الاستدلال بالآية على حجية الإجماع، ومن هؤلاء أبو حيان الأندلسي الذي يرى الآية عامة في وعيد الكفار، ولا صلة لها بفروع المسائل.
 
وأيده في ذلك الشوكاني؛ ووجه ذلك بأن الآية لا تنطبق بحال على من اجتهد فخالف من بعصره، ويرى الطبري أن هذا الوعيد يتناول فقط من جمع بين المشاقة واتباع غير سبيل المؤمنين.
 
ويرى الشيخ رشيد رضا أن الآية نزلت في سبيل المؤمنين في عصر النبي (صلى الله عليه وسلم) فأين هذا من الإجماع الذي لا يقع إلا بعد عهد النبي (صلى الله عليه وسلم).
 
ويرى الشيخ شلتوت أن الاحتجاج بها على حجية الإجماع يعد من حمل الآية على غير وجهها، وتفسير النص بغير ما يدل عليه، وصرف لها عن موضوعها واشتغال بما لا يجدي.
 
موقف الأصوليين
 
فماذا عن استدلال الأصوليين بالآية؟
 
-أول من استدل بهذه الآية على حجية الإجماع الإمام الشافعي، حيث يروي المزني: "كنت عند الشافعي يوماً فجاءه شيخ عليه لباس صوف وبيده عصا فلما رآه ذا مهابة استوى جالساً وكان مستنداً لأسطوانة وسوى ثيابه فقال له: ما الحجة في دين الله تعالى؟ قال: كتابه، قال: وماذا؟ قال: سنة نبيه (صلى الله عليه وسلم) قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة!
 
قال: من أين هذا الأخير أهو في كتاب الله تعالى؟ فتدبر ساعة ساكتاً، فقال له الشيخ: أجلتك ثلاثة أيام بلياليهنّ فإن جئت بآية وإلا فاعتزل الناس فمكث ثلاثة أيام لا يخرج وخرج في اليوم الثالث بين الظهر والعصر وقد تغير لونه فجاءه الشيخ وسلم عليه وجلس، وقال: حاجتي، فقال: نعم أعوذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم قال الله عز وجل: { وَمَن يُشَاقِقِ الرسول مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ…} الخ قال: صدقت وقام وذهب.
 
ومنذ أن استدل بها الشافعي على حجية الإجماع، تبعه أكثر الأصوليين في ذلك، وهم يرونها أهم آية يستدل بها على حجيته، مع أن هذه الرواية لا سند لها، وواضح أنها مصنوعة.
 
*لكن..هل الشافعي هنا اعتقد قبل أن يستدل، يعني إذا كان أخذ يبحث عن دليل يثبت حجية الإجماع ثلاثة أيام، فكيف اعتقد وقال بحجية الإجماع قبل أن يظهر له هذا الدليل؟
 
أنا أتصور أن الإمام الشافعي حينما جعل الحجة في الكتاب والسنة واتفاق الأمة كان ينظر إلى قول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" [النساء/59]
 
وقد راجعت أكثر من ثلاثين تفسيرا في بيان المراد بأولي الأمر، فوجدتها لا تخرج عن تفسيرها بـ(الأمراء والعلماء).
 
وفي الحقيقة كان الأمراء في السابق علماء، فأبو جعفر المنصور حينما طلب من الإمام مالك أن يضع كتابا- الذي صار الموطأ فيما بعد-، قال له: "تعلم أنه ليس أحد على وجه الأرض أعلم مني ولا منك" ووضع له المنهجية التي يضع عليها الموطأ، أن يدع فيه رخص ابن عباس وشدائد ابن عمر وشواذ ابن مسعود…
 
فإذا اجتمع الأمراء والعلماء على شيء إداري وجبت طاعتهم، فلو اتفق مثلا في أفغانستان على أن يكون مقعد قيادة السيارة ناحية اليمين، وفي بلاد أخرى كالدول العربية والخليج أن يكون مقعد القيادة في الشمال، فهنا تجب الطاعة، ولا يجوز لأحد في البلاد العربية أن يقول: لا بد أن أشتري السيارة التي يكون مقعد القيادة بها ناحية اليمين؛ فيكون هذا الاتفاق من التسيير الإداري وتسييس للأمور.
 
 ولذلك اشترط لهذه الاتفاقات ألا تصطدم بقاعدة شرعية، فطاعة أولي الأمر هنا مرهونة بطاعة الله ورسوله، ولذلك جاء في الحديث: "أطيعوني ما أطعت الله" ونلاحظ في هذه الآية أن لفظ الأمر أطيعوا لم يتكرر في الأمر بطاعة أولي الأمر، فالشافعي حينما تحدث عن اتفاق الأمة كان يقصد القرارات الإدارية التي تسير حياة الناس.
 
* هذا عن الشافعي فماذا عن بقية الأصوليين؟
 
- أكثر الأصوليين يستدلون بالآية على حجية الإجماع، ووجه الاستدلال بها عندهم أن اقتران اتباع غير سبيل المؤمنين بمشاقة الرسول (صلى الله عليه وسلم) والوعيد على الأمرين يدل على حرمة اتباع غير سبيلهم، وبهذا يكون اتباعهم واجبا، فيكون اتباع الإجماع هو اتباع سبيلهم ومخالفة الإجماع يوقع تحت الوعيد في الآية.
 
بينما يوجد من الأصوليين من يرفض الاستدلال بالآية على حجية الإجماع، مثل ابن حزم، والجويني، والإمام الغزالي، والشوكاني، حيث يرى ابن حزم أن سبيل المؤمنين هو اتباع النصوص.
 
ويرى الجويني أن الشافعي قد تكلف في الاستدلال بها على حجية الإجماع، وأن الله أراد بقوله "غير سبيل المؤمنين" سبيل الكفر، وأن الاستدلال بها فيه احتمالات كثيرة، ولا يصح التمسك بالمحتملات في مطالب القطع.
 
ويرى الغزالي أن الآية ليست نصا في الغرض، والمراد مقاتلة النبي (صلى الله عليه وسلم) وعدم نصرته، وهذا هو الظاهر المتبادر إلى الذهن، وإلى مثل ذلك ذهب الشوكاني.
 
الخلاصة
 
 
* وما الذي خلصت إليه دراستكم في الاستدلال بهذه الآية على حجية الإجماع؟
 
- انتهيت إلى الآتي:
 
1-لا يوجد استدلال بهذه الآية على حجية الإجماع في عصر الصحابة أو التابعين أو تابعي التابعين ولم يكن متداولا معروفا، وليس بالخفي القريب، فلو كان كذلك لما خفي على الإمام الشافعي الذي جلس يفكر ساعة أمام السائل ثم قرأ القرآن مرارا ثلاث ليال ليصل إلى آية تدل على حجية اتفاق الأمة، حتى خرج علينا بهذه الآية، واستدل بها هذا الاستدلال البعيد، فنحن مع عظيم تقديرنا لإمامنا الشافعي يبدو لنا أنه جانبه الصواب في الاستدلال بها.
2- مما يضعف الاستدلال بالآية على حجية الإجماع أن هذا التفسير فيه تخصيص بالمجتهدين بغير دليل، فكيف نخصص سبيل المؤمنين باجتهاد المجتهدين أو سبيلهم بغير مخصص.
 
3- مما يضعف الاستدلال بالآية على حجية الإجماع أن وجه الاستدلال به قائم على مفهوم المخالفة، وفي حجيته اختلاف، حيث يرى الغزالي أن الشرط يدل على ثبوت الحكم عند وجود الشرط فقط فيقتصر عن الدلالة على الحكم عند عدم الشرط، ومفهوم المخالفة الذي هو حجة عند الشافعي ليس مفهوم الشرط بل مفهوم الصفة والعدد والتقدير والحد والمكان والزمان، ومفهوم الشرط ليس حجة عند الأحناف أيضا.
 
والراجح عندي أن رأي جمهور المفسرين هو الصواب، وأن الآية تعني اتباع سبيل الكفر وليس مخالفة بعض مسائل الفروع، ويؤكد هذا سبب النزول، فمع كونه ليس مخصصا لكنه يصلح هاديا في تفسير النصوص وما أرجحه ليس فيه وجه تخصيص.
 
فقد روى الطبري أن هذه الآية والتي بعدها" إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا" نزلتا في طعمة بن أبيرق حين سرق بالمدينة، فقضى النبي (صلى الله عليه وسلم) بقطع يده، فهرب إلى مكة مرتدا، وما لبث أن نقب بيتا بمكة وهرب، فلحق بالمشركين، ثم مات بمكة مرتدا، فنزلت الآيتان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق