السبت، 18 ديسمبر 2010

تساؤلات انتخابية؟؟ …. مصطفى كمشيش

أسفر مشهد الانتخابات البرلمانية 2010 م عن عدة تساؤلات تبعث على الحيرة , وهي تساؤلات متنوعة, أطرحها, أملا أن يتلقفها السياسي النزيه والعالم الفقيه, والحر الغيور فتتبدد الحيرة , ويظهر للطريق معالمه دون لبس أو غموض ..

تساؤل سياسي

لقد بدا المشهد السياسي المصري عقب الانتخابات البرلمانية 2010م شديد الغرابة, لأن النتيجة أسفرت ( تقريبا) عن برلمان الحزب الواحد, مما يجعل أي مراقب لهذه الانتخابات في حيرة تامة وهو يتسائل : لماذا فعل النظام ذلك؟ لأن الأمر وإن بدا ( ظاهرا ) أنه اكتساح للحزب الحاكم, إلا أن النتائج المترتبة على هذه النتيجة ليست ( قطعا ) في صالح مصر( الوطن), والأغرب أيضا أنها ليست في صالح النظام, الذي أتصور أن بعض راشديه كانوا يرغبون في إخراج مشهد الانتخابات إخراجا يحافظ على " قدر ما" من التعددية تعكس الواقع السياسي والشعبي لقوى المجتمع السياسية المختلفة, بما يحقق للنظام الإدعاء بأن "ديمقراطية " ما " في مصر !!
إن الدكتورة / منى مكرم عبيد – الوفد – التي تنتمي لعائلة سياسية عريقة- في مقابلة مع الأستاذ / سيد على – برنامج 48 ساعة – المحور - قد وصفت النظام المصري بالغباء السياسي!! وقالت مندهشة: لا أدري لماذا فعلوا ذلك, إذ تكفيهم أغلبية الثلثين لتمرير أي قانون ولحجب أي مسائلة, ومن ثم ستكون سيطرة الحكومة من خلال أغلبية الحزب في المجلس أن تسيطر على مهامه من التشريع والرقابة.
إن السيد الرئيس قد وعد على الملأ بأن الانتخابات ستكون حرة ونزيهة, والأصل أن الانتخابات في أي مكان في العالم لا تسبقها أي وعود بنزاهتها, لأن ذلك يعكس حالة من الشك فيها بين المصريين ( نتيجة ميراث كبير من التزوير ) تطلبت تصريحا من السيد الرئيس لعله أن يبدده!!
والتساؤل المطروح هنا هو :من الذي عمل على نقض وعد السيد الرئيس, وهل يعني ذلك وجود قوى جديدة تريد الإساءة للقوى القديمة ؟وهل يعكس ذلك شكلا من أشكال الصراع على السلطة؟ وهل مسارعة الرئيس بالقول عن قانونية الانتخابات على الرغم من تجاوزاتها هو لون من ألوان إعادة إثبات سيطرة مؤسسة الرئاسة على مقاليد الأمور بمصر؟
المخرج المقترح: أن يصدر الرئيس قرارا بإعادة الانتخابات بعد حل مجلس الشعب, فيكون منحازا الى دولة القانون,ومعززا بذلك إظهار سيطرته على مقاليد السلطة, ولعل الاستجابة لأحكام القضاء تكون مرتكزا له ومبررا لاتخاذ قراره..

تساؤلات اجتماعية

ربما يشعر بعض رموز السلطة بالزهو والتباهي ( كما كتب عبد الله كمال في روزاليوسف بأن الحزب الوطني قد سحق الإخوان) لأن حزبهم هو الحزب الوحيد في الساحة, وربما تفكر المعارضة في حلول وبدائل, لكن, ما هو الأثر الإجتماعي الذي سيبقى في نفوس ملايين المصريين من الذين يعتنقون أو يؤيدون أفكارا سلمية أخرى لا يعبر عنها الحزب الوطني بأي حال من الأحوال, حينما يرون أنه لا سبيل في مصر للظهور العلني للأفكار والرؤى ضمن الأطر القانونية؟..
وهل يمكن أن يصدق أحد في العالم أنه لايوجد في مصر رصيد شعبي معتبر للإخوان؟ كما لا توجد شعبية "ما" للوفد والناصري؟
وأن الرصيد الشعبي الوحيد هو لممثلي التجمع الشيوعي ؟ مع أن الشعب المصري "بفطرته السليمة" لم يحتضن بقوة "في أي وقت من الأوقات" أية أفكار شيوعية من أيام هنري كورييل الى رفعت السعيد, وتمثلت هذه الأفكار في قليل من الأفراد بعضهم كان شريف المقصد كالأستاذ احمد نبيل الهلالي ( رحمه الله ) الذي اشتهر بكونه محامي الفقراء, والذي ترافع يوما عن الشيخ عمر عبد الرحمن – رغم الاختلاف الفكري- لكنه كان دوما يبحث عن الوفاق لا الشقاق, ينحاز للفقراء رغم ثراء عائلته, بينما نجد اليوم مناضلين يساريين كانوا بالأمس ضيوفا دائمين على سفارة الاتحاد السوفيتي وصاروا اليوم يجلسون على مائدة السفير الأمريكي!!
أما المشهد الحالي فأنه يُظهر أن غير الحزب الوطني إما محظور أو محجوب, دون النظر الى من الذي حجب ومن الذي حظر؟ وهل لمصلحة الوطن أن يتم دفع الناس دفعا الى اليأس والسلبية والإنزواء؟ ألا يكفيهم مقاطعة 85% من الناخبين للانتخابات؟ فهل يريدون الاجهاز على بقية من أمل وايجابية لازالت في نفوس 15% من الناخبين ( لا من السكان )؟ وهل لا يدرك عقلاء النظام امكانية اندفاع بعضهم للبحث عن سبل عنيفة للتغيير بعد انسداد السبل السلمية ؟ وهل يغفل النظام( بل والعالم بأسره) عن الدوافع التي تنتج العنف والثورة والغضب والفوضى؟ وهل الأفضل للنظام وللوطن وللعالم أن تعكس البرلمانات القوى الوطنية المختلفة أم تخفيها؟

تساؤل فقهي

ثار جدل كبير حول بعض المقالات التي صاحبت الانتخابات البرلمانية الأخيرة, وخاصة عندما ظهر بوضوح خلال هذه الانتخابات وجود عدة آراء ينادي أصحابها بالمشاركة وآخرون بالمقاطعة, وخاصة عندما تم توصيف المشاركة بأنها واجب شرعي, إذ أعادت بعض المواقع الإعلامية الالكترونية نشر فتوى لفضيلة الدكتور صلاح سلطان تحت بعنوان: رغم حتمالات التزوير..صوتك الانتخابي .. فريضة شرعية وضرورة واقعية.. وللانصاف فهذه الفتوى كتبها فضيلته في 2005 م – لكن بعض المواقع ذًيَّل الفتوى بهذه العبارة : إدارة الموقع تعيد نشرها لأن واقع الفتوى لم يتغير منذ كتابتها!!
وقد ذكر فضيلته ( حفظه الله ) في سياق تلك الفتوى :إذا كان لفظ الانتخاب بمعناه السياسي لم يرد في القرآن الكريم، لكن هناك اتفاقا بين علماء الشريعة، خاصة السياسة الشرعية، على أنه يساوى لفظ الشهادة الوارد كثيرا في القرآن الكريم وفى السنة النبوية، ثم ذكر : أما الأدلة على وجوب الانتخاب (الشهادة) فمنها ما يلي:-
1- قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ) (البقرة:140).
2- قوله تعالى: "وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا" (البقرة :282).
3- قوله تعالى : "وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ" (البقرة :283).
4- قوله تعالى: "وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ) (المائدة:106).
ثم ذكر فضيلته: أما عن كون المشاركة في الانتخاب فريضة شرعية وضرورية واقعية رغم احتمالات التزوير فكما يلي:-
1- حديث النبي صلي الله عليه وسلم في الفقه والمظالم: "أد الذي عليك وسل الله الذي لك" وهو يوجب أداء ما علينا ، من أن نقول لكل ظالم لا، أن نقول للمنكرات لا، أن نقول للمصلحين نعم، أن نعلن موقفنا بطريق حضاري سلمى والانتخاب منه.
2- أداء الصوت هو تعبير عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والمعروف أن هذا لا يتوقف على قبول الطرف الآخر ، بل أن هناك أجرًا من الله يقع بمجرد أن يقول لا لكل ظالم، ونعم لكل مصلح.
وقد كتب الدكتور عبد الرحمن البر " أستاذ الحديث بجامعة الأزهر " كلاما مشابها , ولكنه في 2010 م , وأقام الرجل الجليل حوارا طيبا مع بعض المتحاورين حول رأيه وفتواه تضمن تراجعه ( بشجاعة يُحمد عليها ) عن وصفه أن مقاطعة الانتخابات تمثل التولي يوم الزحف, إذ أن : التولي يوم الزحف يعتبر من السبع الموبقات, أي من أكبر الكبائر!!
والحقيقة الماثلة أمام أعيننا أن الدكتور صلاح سلطان وكذلك الدكتور البر كتبا ما كتبا وهما يعلمان يقينا المناخ الذي تُجرى فيه الانتخابات, ولذلك كتب الدكتور سلطان أن المشاركة فريضة شرعية وضرورة واقعية رغم احتمالات التزوير, كما لم يقل أي مشارك من المعارضة المصرية أن الانتخابات ستجرى في نزاهة وشفافية,ومن هنا يبرز سؤال هام : ما الجديد الذي جعل المنسحبون في الجولة الثانية من الانتخابات أن يقاطعوها, بمعنى , هل تفاجئ أحد منهم بالتزوير أو لم يتوقعه ؟ بالطبع لا..
وهنا يبرز سؤال أهم : كيف يمكن للمنسحبين أن يجدون مبررا لبراءة قرار الانسحاب من الإثم والظلم ؟ وخاصة مع الرأي القائل بأن المشاركة واجب شرعي أو فريضة شرعية, وأن المقاطع ربما يكون ( آثم قلبه)- البقرة 283- أومن الأثمين( لمن الآثمين )المائدة 106, أو ظالم (من أظلم ممن كتم شهادة .. )البقرة 140
المخرج المقترح:
أن يكون الحديث عن العمل السياسي حديثا عن المصلحة فقط, وحينما تترجح منافع المشاركة عن مفاسدها لأصحاب القرار وفقا لقراءة صحيحة لمعطيات الواقع, تكون المشاركة أولى, والعكس صحيح, وهذا النظرة تتناول كل حدث على حده, دون تأبيد هذه النظرة, التي تتغير مع تغير المعطيات..
لقد قرأنا وسمعنا في أيام الانتخابات من بعض من أحسبهم من المخلصين, استدعاءً لبعض النصوص الدينية , فتارة قال أحدهم عن يوم الانتخابات أنه يشبه يوم الزينة, حيث سيُحشر الناس ضُحى, وسيلقف الحق زيف الباطل, وكأن التنافس في الانتخابات كأن بين موسى المؤمن وفرعون الكافر!!
كما سمعنا من قال بعد الانتخابات عن تحقق الأجر, وإن لم تتحقق النتائج المرجوة؟ دون أن يتسائل كيف يمكن لأي أنسان أن يطمئن أو يتأكد من تحقيق الأجر؟
وسمعنا من شبَّه نتيجة الانتخابات بما جرى للغلام في قصة أصحاب الأخدود , حيث مات الغلام لكن القرية أمنت بالله!!
وسمعنا بآيات من سورة آل عمران تتعلق بما جرى يوم أحد من هزيمة للمسلمين على أيدي المشركين, دون النظر الى الاختلاف الكبير والشاسع بين تنافس سياسي, وصراع بين المؤمنين والكافرين..
إننا بحاجة الى ثقافة تُحسن النظر في الواقع وتوصيفه, واستدعاء ما يناسبه, لأن خطورة استدعاء النص في غير موضعه قد يرتب أحكاما غير صحيحة وتصورا غير سليم, ولنا في رسول الله اُسوة حسنة حين قُتل أبو جهل في يوم بدر ووضع في القليب,أي حين لقى الله وهو يقاتل المؤمنين مُصرا على الكفر, فقال صلى الله عليه وسلم ( كما جاء في مسند الإمام أحمد من حديث أبي عبيده عن أبيه) وهو يشير إليه: [ كان هذا فرعون هذه الأمة], فكان استدعاء المثال وفقا للواقع, وهو هلاك فرعون وأبو جهل على الكفر.. ولعل هذا يؤدي الى دقة في استدعاء النص حين إنزاله على الواقع, ولذلك حذر علماؤنا الأجلاء ( لضبط الحديث في ميدان الإعجاز العلمي في القرآن ) من خطورة استدعاء النص لتدعيم النظرية العلمية التي قد تتبدل وفقا لمعطيات جديدة, وأن يقتصر ذلك على الحقائق العلمية الثابتة تنزيها للنص وتقديسا له..
لقد طرحت أسئلة واقترحت مخارج, واضعا القضية للتداول, أملا في نقاش حر بديع يسفر عن اقتراحات أجدر وأنفع, على أن يكون المقال التالي إن شاء الله حول ضرورة التمايز بين العمل الدعوي والحزبي ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق