الخميس، 30 ديسمبر 2010

الغنوشي: غياب المرجعية في التحديث خلق فوضى ويتماً (2-5)



الغنوشي: غياب المرجعية في التحديث خلق فوضى ويتماً
أجرى الحوار: وحيد تاجا -
   في الجزء الثاني من لقائنا المطول مع المفكر الإسلامي التونسي راشد الغنوشي - زعيم حركة النهضة التونسية الإسلامية - نتناول الفشل الذي أحاط بعملية النهضة، ومنه حالة الصراع الذي ابتليت به الأمة بين الكثير من مكوناتها، كما نتناول المد الإسلامي أو الصحوة الإسلامية في هذه المرحلة، ودور الأحزاب الإسلامية والحركات السياسية الدينية في هذا المجال.
 نص الحوار
* تحدثتم عن واقع الأمة وعن الفشل الذي أحاط بعملية النهضة. بتقديرك، ما هي الأسباب التي جعلت العالم الإسلامي يصل إلى هذا الوضع؟
 *عوامل كثيرة خارجية وداخلية تراكمت تأثيراتها السلبية على أمة الإسلام، وأودت بها إلى هذا الحال من الضعف والتمزق.
 صراع محتدم لا هوادة فيه بين دولها وبين طوائفها وبين مذاهبها وبين نخبها القديمة والحديثة وبين شعوبها وحكامها، كل ذلك وهي تواجه حملات غربية متلاحقة منذ أزيد من قرنين؛ بل منذ بدأ الهجوم المعاكس في معركة (بواتييه)، لكنها بأثر عقيدتها لم تستسلم قط لميزان القوة الذي اختل لصالح الخارج، بل ظلت تقاوم حتى في غياب الوحدة السياسية الجامعة والإجماع الفكري والثقافي، على الرغم من أن النمو المعرفي والتطور التقني لدى أهل الضفة الأخرى، ظل البون بينه وبين نظيره لدى المسلمين يتسع لصالح الطرف المقابل منذ القرن السادس عشر.
* ما هو برأيك العامل الرئيسي في اختلال ميزان القوى الحضاري بين الفريقين؟
   يمكن القول إن العامل الرئيسي في اختلال ميزان القوة هو العامل الخارجي؛ ممثلاً في التفوق العسكري الذي أعانت عليه ظروف بيئية؛ مثل توافر ثروة الغابات (الأخشاب الصلبة) المساعدة على تطور صناعة السفن العملاقة القادرة على عبور المحيطات، وما أفضى إليه ذلك من كشوف جغرافية لعوالم جديدة فاضت عليهم بثروات طائلة كان لها إسهامها المقَدّرُ في فرض الكساد على اقتصاديات عالم الإسلام، مقابل إحداث حركة تجارية وصناعية في الغرب، مهدت لدخوله عصراً جديداً، عصر الثورة الصناعية والمجتمع الرأسمالي، وأثر التراكم الهائل للثروات المنهوبة من العوالم الجديدة ومن شعوبها التي تعرضت للإبادة.
* كأنك ربطت كل التقدم العلمي والتقني بالقوة العسكرية، فأين دور التنوير الفكري في صناعة النهضة الغربية؟
 القوة العسكرية في البنية الغربية هي الرافعة الأساسية والقوة المحركة للعلم والتقنية والاختراع، وهي كاسحة الثلوج عن طريق الرأسمال الزاحف بحثاً عن الأسواق والمواد الأولية وخصوصاً الطاقة.
وعلى الرغم مما يعطى عادة من أهمية مبالغ فيها لدور التنوير الفكري في صناعة النهضة الغربية، بما حرر من عقول من إسار الخرافة والدين الكنسي؛ وبما أشاع من قيم تحررية وما طور من أنظمة ديمقراطية وما صاغ وأقر من حقوق للإنسان؛ كالمساواة بين الناس والمساواة بين الجنسين، مما يندرج تحت مسمى التحديث والنهضة والإصلاح، على أهمية تلك الأفكار والقيم والنظم إلا أنها لم تأتِ ثمرة لتأملات فلسفية أو تلبية ليقظة ضمير أخلاقي إنساني مضّه الإحساس بالظلم وترسخ فيه وهيمنت عليه قيم العدالة، بقدر ما جاءت لتلبي مطالب التفوق العسكري والتوسع الرأسمالي، جاءت بعدها تسوياتٌ لصراعات محتدمة لم يمكن حسمها داخلياً لصالح طرف واحد من الأطراف المتصارعة فكان لا بد من ترتيبات وتسويات سلمية، حملت مسمى النظام الديمقراطي، من أجل إزاحة العوائق من طريق انطلاق رأس المال.
المرأة والتوسع الرأسمالي
* ربطت في أحد حواراتك بين هذا التوسع الرأسمالي وتحرر المرأة والاعتراف بحقوقها في الغرب ؟
 قصة حرية المرأة والاعتراف بحقوقها لم يكن منطلقها بحال إنسانياً، بقدر ما كان مقتضى من مقتضيات التوسع الرأسمالي وتوفير يد عاملة رخيصة، وبالخصوص خلال الحروب التي أخلت المصانع والإدارات من كثير من الرجال ممّن كان لابد من تعويضهم بالنساء، فكان لا بد من تحقير قيم العائلة ودور المرأة أُمّاً وربة بيت، مقابل إيلاء قيمة لعمل المرأة خارج البيت، وتركيز الأضواء حول جانب الأنوثة والإغراء من شخصيتها وتحويلها في المحصلة لسلعة في السوق الرأسمالية التي "سلَّعت" كل شيء.
وتلك هي العلمانية الشاملة والترجمة القيمية والفلسفية والمجتمعية للمؤسسة الرأسمالية العملاقة ولآلتها العسكرية الفتاكة التي أمكن لها أن تعمل في الأمم والحضارات والديانات إبادة إن أمكن أو تفكيكاً واحتواء، وقطعت في ذلك أشواطاً بعيدة تغريباً للعالم أو أمركة له.
عودة الإسلام
 * أشرت إلى أن الإسلام لم يستسلم قط لميزان القوة الذي اختل لصالح الخارج، بل ظل يقاوم حتى في غياب كل من الوحدة السياسية الجامعة والإجماع الفكري والثقافي .. كيف ترى ذلك؟
   أبدى الإسلام ولا يزال استعصاء يتفاقم في وجه الحداثة؛ والحقيقة إن استعصاءه ليس في وجه الحداثة بما هي علوم وتقنيات ومعارف ثابتة فقد أمكن لحركاته الإصلاحية منذ قرنين أن تحتوي كل ذلك ضمن قيم الإسلام وبشروطه ولخدمته، وإنما استعصاؤه هو أساساً في وجه آلته العسكرية الفتاكة وما يتقدمها من أضواء تغشي الأبصار لتسويغها والتمهيد لها: فلسفات وقيم مادية تحول الإنسان إلى مجرد وسيلة.
إن قوة الإسلام الروحية المتعاظمة تمثل اليوم - بعد إزاحة العقبة الشيوعية - عنصراً أساسياً في استعادة شيء من التوازن الدولي المختل والحؤول دون أن تعلن الدولة العظمى نفسها إلهاً لا يُسأل عما يفعل ولا رادَّ لقضائه، وذلك على الرغم مما يطفو على السطح من أشكال عشوائية لمقاومة تُعزى للإسلام رغم تجافيها عن قيمه، وغلبة الرد الغاضب الغريزي عليها؛ المصطبغِ بصبغة وقيم ومنطق القوة التي ينازلها منطق: الغاية تبرر الوسيلة، مما لا يقره الإسلام بل يسيء إليه.
   غير أن الثابت أنه مقابل تنامي وتسارع العودة إلى الإسلام واكتشافه والالتزام به وانتشاره في العالم، هناك تراجع للحلم الغربي في الرهان على سعادة دنيوية يصنعها عقل أرضي مستغن ومنقطع عن السماء، أعلن في صلف موت الإله، ما يعني طموحاً إلى الحلول في المنزلة نفسها، إلا أن ما حدث ليس سوى سيادة نسبية القيم وتعويمها وماديتها فما يبقى من قيمة لغير المال والربح والقوة واللذة وسلطة الدولة خادماً لرأس المال في المستوى المحلي وفي العلاقات الدولية. وكل ذلك ثمرة لنهج في الإصلاح أطاح بأسس القيم والمعايير المستمدة من الدين.
   بينما أحد وجوه الصراع في العالم الإسلامي يدور حول الإسلام ذاته: هل يتم الإصلاح في نطاقه وبمقاييسه تأسيساً على قواعد الاجتهاد كما هي مقررة في أصول الفقه، وهو نهج الإسلاميين على اختلافاتهم؟ أم يجب أن ينطلق متحرراً من كل توجيه إلهي، حتى ولو أدى ذلك إلى إصلاح الإسلام ذاته وإخضاعه لسلسلة من العمليات الجراحية تحت مسمى الاجتهاد والإصلاح والتطوير والتحديث، وذلك على خلفية الأنموذج الغربي الذي يجب أن يستلهم بل أن يحاكى في حلوه ومره؟ إن ذلك لا يعني بحال أن مهمة الإصلاحيين الإسلاميين قد استنفدت أغراضها، فلا يزال قطاع واسع من المسلمين حتى من خاصتهم مشدوداً إلى مدارس تراثية معيقة لكل تقدم وإصلاح، سواء أكانت تُعزى إلى تشدد سلفي يستبيح دماء المخالفين مسلمين وغير مسلمين، أم كانت تنتمي إلى مذاهب "غنوصية" غارقة في الخرافة وضاربة في التيه.
   إن غياب المرجعية الإسلامية بأثر حركة التحديث التي فككت المؤسسات العلمانية وما كان يدعم استقلالها من وقف، وذلك لصالح المركزية المطلقة للدولة الحديثة، خلَّف وراءه قدراً من الفوضى في جمهرة المسلمين ونوعاً من اليتم، وهو ما فاقم حالة الضعف والفوضى، واقتضى البحث عن بدائل تمثلت في الحركات الإسلامية والجمعيات الخيرية التي مازالت تصارع من أجل إبقاء سلطةَ الدولة المركزية المتغولة المدعومة بقوى الهيمنة الدولية، وذلك على الرغم من بدايات مبشرة بتباين المصالح بين الطرف الدولي وحاميه المحلي.
 * و كيف نفهم المد الإسلامي أو ما يسمى بالصحوة الإسلامية ضمن هذه الرؤية؟
   لا بد من الإشارة هنا إلى أن الثابت أن الأمة تتقدم وتقوى رغم أن الدولة فيها تزداد ضعفاً وخواء من الشرعية؛ وتعول أكثر على العنف مصدراً لشرعيتها معززاً بالظهير الخارجي.
    الإسلام اليوم - رغم استمرار نقاط الضعف الداخلي والعوائق الخارجية - على سلم تاريخي صاعد، بينما مذاهب العلمنة في حالة ذبول وشيخوخة. رغم أنها في سدة الحكم على الصعيد العالمي بينما الإسلام في المعارضة، ولكنه المعارضة الرئيسية، وستعمل سنة التداول عملها. قال تعالى: " وَتِلْكَ الأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ" وهو تداول لا يعني الإلغاء ولكنه استيعاب لما يحدث من كسب، وتشكيله في صيغ حضارية جديدة تتكفل بحل مشكلات مستعصية، وضخ دماء جديدة في جسم الحضارة العالمية. " لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ".
 فالثابت بالوقائع المشهودة أن الإسلام في هذه الأزمنة من التغلب الغربي لم يحقق بقاءه وحسب بل يتقدم بثبات وسرعة تحت القصف إن على مستوى الكمِّ أو على مستوى الكيف.
الوقائع تشير أيضا إلى أن جغرافية الإسلام اتسعت وتتسع أكثر من أي فترة تاريخية سابقة، فهو من جهة استردّ بلاداً واسعة تمتد ملايين الأميال تعيش عليها عشرات الملايين، كان الإلحاد قد اقتطعها من دار الإسلام، وهم اليوم عادوا منشغلين بنفض الغبار عن مساجدهم، واسترجاع أوقافهم ومدارسهم، وربط أسبابهم بدار الإسلام، رغم الكيد الغربي الذي مد يد العون سخية للحرس الشيوعي القديم حتى ولو أرسى جمهوريات ملكية يورِّثها لأبنائه، بينما الغرب لا يفتأ خارج المنطقة الإسلامية من الجمهوريات الشيوعية السابقة يمارس كل أسباب الضغط والدفع للإطاحة ببقايا الشيوعية في تلك الجمهوريات..من بولونيا إلى أوكرانيا.
وعلى الصعيد الجغرافي أيضاً فإن للإسلام المعاصر عوالمَه الجديدة الممتدة في كل أرجاء المعمورة من الأميركيتين إلى أوروبا وعبر كل القارات. وهو بصدد التفاعل مع عوالمه الجديدة أخذاً وعطاءً باذلاً إسهامه في تنميتها وازدهارها وخيرها، لا يعكر صفوه ويعرقل سيره غير فكر وأعمال التطرف والإرهاب الصادرة عن بعض أهل تلك البلاد المتعصبين أو عن بعض أبناء الإسلام الجاهلين.
 والإسلام ماض في تأصيل جذوره في عوالمه الجديدة وتطوير ثقافة إسلامية تتناغم مع خصوصيات تلك البلاد كما طور من قبل ثقافات إسلامية عربية وفارسية وهندية ومالاوية.
 * إذا اتفقنا معكم على هذا التوسع على صعيد الكم، فأين هو على صعيد الكيف ؟
 على صعيد الكيف أمكن للمسلمين أن يكسبوا في إيمانهم خيراً بعد قرنين من الإصلاح عوداً إلى الجذور، متجاوزين سجون الانحطاط محررين – إلى حد معقول - دينهم، من أسرها، مميزين بينها وبين أصول الدين، بما حوّلها إلى مجرد تراث وحقل تجارب يستفاد منه دون أن يرتقي إلى منزلة السلطة المرجعية التي تحل محل النصوص الأصلية كما كان عليه الأمر لعصور مديدة.
   وهي عملية بدأت منذ قرنين على الأقل، ومستمرة وفي سياقها تحرر العقل المسلم من كثير من الأوهام، وعاد يمارس الاجتهاد فيتحرر من كثير من الخرافات ويستعيد دوره في إجراء الحوار والتفاعل بين الوحي ومشكلات الواقع باحثاً عن حلول جديدة لها مستفيداً من تراثنا ومقتبساً من كسب الحضارة المعاصرة فيما يتساوق مع مقاصد الإسلام.
 وهكذا تمت في الإسلام عملية مهمة جداً لم تتم في دين آخر- كما أسلفنا- أعني تم له استيعاب الحداثة الغربية المعاصرة على شروطه وليس على شروطها، فاستخدمها لضخّ دماء جديدة في عقول وحياة أهله من دون بذل المقابل الذي طلبه الغربيون والمتغربون - ولا يزالون - وهو الإقدام على إجراء جراحات في بنية الإسلام حتى يتلاءم والحداثة العلمانية، وهو ما تحمست له نخب وحكام أمثال بورقيبة وشاه إيران وطه حسين ومن سار على دربهم المهلك.
 ومن ثمار هذه العملية التاريخية المهمة جداً التي أنجزها الإصلاح الإسلامي - أعني احتواء الإسلام للحداثة بشروطه ولمصلحته - هذه الصحوة الإسلامية المباركة التي أشرت إليها في بداية سؤالك، والتي تعمر الأمة من أقصاها إلى أقصاها وبالخصوص قطاعات التعليم حيث يهيمن القطاع الطلابي الإسلامي على كل الكليات في بلاد الإسلام؛ وحيث يوجد مسلمون يتمتعون بنَفَسٍ من الحرية، وانعكس ذلك في النقابات المهنية للمهندسين والأطباء والمحامين والصيادلة وأساتذة الجامعات والصحفيين وحتى الجمعيات النَّسوية.
 ومن آثار هذه العملية التاريخية المهمة التنامي المتواصل لمعالم الحياة الإسلامية، فكانت كلمة التوحيد التي تم تحرير أقدار مما تتوافر عليه من طاقات خلاقة، مثل خلية أولى تحمل مشروعاً متكاملاً لبنية عضوية متقدمة جداً، لا تني تفصح عنها بالتدريج، فكان من ثمار ذلك، ثورة التحرير التي عمّت عالم الإسلام جهاداً تصدى للجيوش الغازية حتى لاذت بالفرار، ولا يزال يطارد ما تبقى حتى تولي الأدبار تجر أذيال الخزي في أثر أسلافها.
 ومن ثماره كذلك تلك العملية التاريخية المهمة وهي تحريك آلة الاجتهاد المعطلة منذ عصور، اجتهاد أصّل لمكانة العلم في دين الإسلام وللتربية الحديثة وللنشاط الاقتصادي باعتباره جزءاً من عبادة المسلم، وللفنون الجميلة ولحقوق الإنسان وللحرية والديمقراطية ولدور المرأة شقيقة للرجل.
 وبذلك توالى بروز معالم الحياة الإسلامية في هذا العصر في مجالات كثيرة، منها المجال الاقتصادي ففرض مفهوم الاقتصاد الإسلامي شخصيته المتميزة مقابل الاقتصاد التقليدي الرأسمالي، فامتدت سلسلة واسعة من البنوك والشركات الإسلامية التي تلتزم ضوابط الشريعة، وبلغ نجاحها حداً غدت معه البنوك الغربية مثل سيتي بنك وباركليز تفتح لها فروعاً تتعامل بالشريعة الإسلامية.
 وكان أحدثها البنك الإسلامي البريطاني، وانعقدت له المؤتمرات العلمية والندوات الدراسية بل افتتحت جامعات غربية مثل (لافبارة) في إنكلترا كلية لدراسة الاقتصاد الإسلامي، باعتباره ركناً في نظام الحياة الإسلامية والدولة في الإسلام التي لا تزال الدراسات والتجارب في مجالها تُجرى من أجل بلورتها إن على الصعيد النظري أو على الصعيد التطبيقي.
 ومن ذلك دراسات وتجارب في مجال السياسات الإسلامية في شكل برامج لأحزاب إسلامية أو نقابات أو جمعيات خيرية أو مدارس إسلامية أو بحوث، وفقه مقارن بين النظريات الإسلامية في الشورى مثلاً والديمقراطية وفي مجال حقوق الإنسان، ومن ذلك ظهور معالم أخرى للحياة الإسلامية في مجال الأدب والفنون مثل الرابطة العالمية للأدب الإسلامي، ومن مثل تطوير الزي الإسلامي للمرأة الذي هو صورة معاصرة تجسد قيم الإسلام في الحشمة؛ متفاعلة مع ما اقتضته الحياة المعاصرة من مشاركة واسعة للمرأة في المجال العام.
 دور الأحزاب الإسلامية
 * هل ترى للأحزاب الإسلامية دوراً في هذا السياق ؟
 لابد من الاعتراف بأن الأحزاب الإسلامية استطاعت تحقيق قدر كبير من النجاح إن على صعيد تعبئة أوسع للقطاعات الجماهيرية وراء قضايا الأمة الكبرى في العدل والحرية ومناصرة ضحايا العدوان الدولي على شعوب إسلامية والوقوف إلى جانب المقاومة فيها، مثل قضية فلسطين والبوسنة والشيشان وكشمير والعراق؛ أو في مجال التصدي لأنظمة القهر والاستبداد مناصَرة لحقوق الإنسان والتعاون في ذلك مع سائر القوى الوطنية والتحررية في العالم من مثل الحركة العالمية لمناهضة للعولمة.
وبرهنت الأحزاب الإسلامية ونوابها في البرلمانات على مدى ما تتوافر عليه هذه الجماعات من مستوى عالٍ من المبدئية والواقعية في الآن ذاته. وحتى عندما حكمت هذه الأحزاب وأزيحت عن الحكم مثل حزب الرفاه لم تستنفر الجماهير إلى الجهاد المسلح مسفهة ما اتهمت به من توظيف للديمقراطية مجرد توظيف لتزيحها جانباً بمجرد الوصول للسلطة، وسرعان ما عادت إلى الساحة عبر صناديق الاقتراع أقوى مما كانت بعد أن تعلمت من تجربتها وتشكلت في هيئات جديدة حاملة لبرامج واقعية متطورة، محمولة إلى الحكم على أجنحة آمال شعوبها في العزة والرفاه وطهارة الأيدي المتوضئة.
ينطبق ذلك أيضاً، على الأحزاب الإسلامية المشاركة في السلطة التشريعية، وهو حال أغلبها من إندونيسيا إلى المغرب، مروراً بمصر واليمن والجزائر، وكذا على الأحزاب المشاركة في الحكومات أيضاً، وهي غير قليلة من إندونيسيا إلى بنغلادش.
عموماً يمكن القول إنَّ تجربة الحركات الإسلامية أسهمت في تطويرها ذاتياً، فجعلتها أكثر فقهاً بالواقع المحلي والدولي، كما أسهمت في خدمة الإسلام وترسيخ التجربة الديمقراطية، وفوّتت على أعداء الإسلام فرصة دفعها إلى الصدام مع الحكومات مما تضررت منه التجربة الديمقراطية كثيراً، ولكن هذه المشاركات تبقى في عمومها جزئية؛ وتظل الصورة العامة لوضع الإسلام بالقياس إلى معركته مع العلمانية ومقاومته للهيمنة الدولية أنه في المعارضة المعترف بها أحياناً والمضطهدة إلى درجة السَحق أحياناً أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق