الخميس، 16 ديسمبر 2010

اشدد يدك بيد أخيك تنجح …. د/ هشام الحمامى

كانت هذه صيحة عبد الله النديم التي أطلقها من أكثر من 100عام…قبل قيام الثورة العرابية بقليل..كان الرجل قد أدرك مبكرا أن الخطوة الأولى لنهضة الشعب وتقدمه هي المواطن..لابد أن تتجه الحركة الإصلاحية إلى المواطن حيثما كان لتعبئته وتنظيمه..فسعى النديم إلى تكوين عصبة من أصحاب المصالح تستطيع تكوين رأى عام قوى يقف فى وجه الظلم والاستبداد .
واخذ النديم يدعو إلى فكرته فى إنشاء الجمعيات على طول البلاد وعرضها.وأسس بنفسه أول جمعية فى الإسكندرية فى 1879م و تحددت أهدافها فى التعاون على فتح مدارس للبنين والبنات لجميع أبناء الشعب و نشر المعارف ليتزود بها الناس..فتقوم فى داخلهم الأفكار الخامدة.

ثم أقام فى القاهرة جمعية المقاصد الخيرية فى 1880م.. ثم اتجه إلى القرى والنجوع يدعو أصحاب الرأي إلى إنشاء جمعيات وتألفت على يديه جمعيات كثيرة ودخلها الناس بكثرة .

سيأتى بعد ذلك د/ حامد ربيع رحمه الله ويعرفنا أن الديمقراطية مثل الهرم قمته السلطات الثلاث تشريعية وتنفيذية وقضائية ومنتصفة الأحزاب و النقابات والمؤسسات وقاعدته وهى الأهم الجمعيات الأهلية والتعاونيات والمحليات .
لم يتمكن النديم من تحقيق أهدافه..وكرر نفس الخطأ الذي سيحكيه التاريخ كثيرا عن الإصلاحيين ..وهو التعجل والمسارعة إلى الثمرة قبل نضجها ..
فوجد فى طريقه عرابي وأصحابه يتجهون إلى قمة الهرم بالقوة العسكرية فودع طريق الزحف البطيء الهادىء ..وانغمس بكل كيانه فى الثورة العرابية إذ خلبت لبه فكرة الثورة بالقوة دون الحاجة إلى التكوين الاجتماعي الصلب فكان للثورة لسانها القاطع وخطيبها الساطع.

وفشلت الثورة العرابية ..سيحدثنا التاريخ بعدها عن الخيانات التي اخترقت ظهرعرابى. فلم يكن الشعب قد استوعب وتعلم ما يكفى للمشاركة فى إنجاح وإتمام فكرة التغيير.
واحتلت انجلترا مصر 1882م واختفى النديم فى بحر الحياة .
ولو كان الرجل أكمل مشروعه الكبير لكان للوطن ذخيرة كبيرة من قاعدة الهرم الذى حدثنا عنه د.ربيع ..
سنعرف أن الشيخ محمد عبده الذى كرر تجربه القوة والثورة مرتين مرة مع عرابى ومرة مع الافغانى وسجن ونفى ورأى بعينه انقسامات الحركة الوطنية والاختراقات السهلة لها… فوقر لديه يقين بعقم كل المحاولات الثورية والسياسية وضرورة الاعتماد على الشعب لإحداث النهضة المنشودة وتسليحه بالعلم والمعرفة فطلق السياسة بمعناها المباشر لا بمعنى الوعي والإدراك للواقع وما يؤثر فيه..وأخذ يردد لتلاميذه (إن السياسة أضاعت علينا أضعاف ما أفادتنا وان الافغانى كان صاحب اقتداركبير لوصرفه ووجهه للتعليم لأفاد أكبرفائدة وقد عرضت عليه ونحن فى باريس أن نترك السياسة معا ونعلم ونربى من نختارمن التلاميذ فأجابني الافغانى إنما أنت مثبط )..
ومات محمد عبده وهو يؤمن أن مشكلة مصرالكبرى تكمن فى(عدم سريان روح التربية الشرعية العقلية التى تجعل إحساس الإنسان بمنافع بلاده كإحساسه بمنافع نفسه و شعوره بأضرار وطنه كشعوره بأضرار ذاته ).

بعد ذلك سيحكى لنا الأستاذ فريد عبد الخالق ما سمعه من عبد الرحمن السندى وهو يعلق ساخراعلى خطاب للأستاذ البنا (أمازال هذا الرجل يخطب ويحدث الناس عن الدين والأخلاق..)كان السندى وقتها يقف على رأس جهاز ضخم مسلح بالقوة العسكرية وقد بلغ به العجب بما معه أن أيقن أن الطريق من عنده..لا من عند البنا..

وأسكرته قوته إلى حد أن الأستاذ صلاح شادى حكى لنا انه عامل الأستاذ البنا بجفاء وغطرسة أمامه حين اصطحبه معه في زيارة مفاجئة لإحدى اجتماعات الجهازالخاص وحين خرجا قال للأستاذ صلاح أرأيت كيف عاملني عبد الرحمن.؟
سيستشهد البنا و فى حلقه غصة من السندى ومن إحساسه بالخطر المرتقب..وقبل انتقاله يقول لمن حوله ( لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لعدت بالجماعة إلى أيام المأثورات)..روى لى المستشارطارق البشرى أن احمد حسين قال له: كان البنا فى سنواته الأخيرة يقول (أنا حملي كبير ويجب علينا أن نكتفي بالعمل الدعوى وندعم الصالحين فى العمل الوطني والسياسي).

بعدها سيأتي الرئيس عبد الناصر ويستخدم السندى فى طعن الجماعة وسيكون السندى أطوع له من بنانه..لم يدرك السندى وهو يعلق على الأستاذ البنا ساخرامعنى الآية الكريمة(تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين..) .

بعد ذلك تدخل مصر فى أعوام شداد يابسات ذاخرة بالخيبات المتتاليات.. يتم فيها تجريد الشعب من نفسه..ويصبح مجموعة من الأفراد المبعثرون هنا وهناك..يكفيهم الكفاف كما قال أحد رجال يوليو (لكيرميت روزفلت) فى مارس 1952م (أن المصريين قد عاشواعلى الكفاف لآلاف السنين ويمكنهم العبش على ذات النمط لمدة ألف عام أخرى)..
مضت من الألف عام خمسون..أصبح فيها الأحياء كالموتى والأمس كالغد..رأينا فيها ما يفوق الكفاف..
القهروالهزيمة والبطش والتخلف والفقروالنفاق والتفسخ الاجتماعي والانهيارالأخلاقي وانعدام الأمل وانتشار اليأس وامتلأ المجتمع بأمثال شرارة النحال وعدلى المؤذن..من الأسافل والمنحطين كما صورهم لنا نجيب محفوظ فى (المرايا).
………………….
قلت للعفريت أبدل كل أصحاب الصروح الفاسدة..
قال لى ما الفائدة..؟
سوف يأتى مثلهم أو ربما أكثرمنهم مفسدة..
إنما تختلف الأسماء لكن المعاني واجدة..
قلت ما الحل إذن..؟
قال بسيط.. لو غدت أمالكم فى ذاتكم .

حوار خيالى بين الشاعر احمد مطر وعفريت الإبريق .. لكنه مليء بأدق توصيفات الواقع.
أمالكم فى ذاتكم .. وذاك ما بدا به كل الإصلاحيين الكبار فى القرنين الماضيين .. ولم يكملوه ..
ماذا علينا لو سلكنا الطريق القديم القويم .. ؟
نعمل على تأسيس جمعيات فى مختلف المجالات..ننظم فيها الناس فتتكون منهم تكتلات قوية تستطيع أن تحمل السلطة على الحكم الرشيد . وليتم ذلك فى حركة جماهيرية واسعة وحتى لو رفضت السلطة مستخدمة بعض القوانين الفاسدة..نلح و نكررفى الإلحاح ..
فنكون مثلا جمعيه لمحو الأمية الأبجدية وجمعيه لمحو الأمية الاليكترونية.
وجمعية لمحاربه الدروس الخاصة وإعلاء شأن المدرسة.. وجمعيه للنظافة والتخلص من القمامة التى تعج بها الشوارع..
وجمعيه للسلوك الراقي تمشى فى الشوارع والطرقات تعلم الناس كيف يستخدمون المواصلات فى طوابيرمنتظمة وتحدثهم عن النظام والنظافة وتضع ملصقات وتعلق لافتات على البيوت .
وجمعية لترشيد الاستهلاك والكف عن البذخ السفيه..وجمعيه للتماسك الاجتماعي لسد الثغرات بين أبناء الوطن الواحد.. وجمعيه لإنشاء المدن فى الصحراء وحماية الأرض الزراعية..
وعندنا من الأعلام والرموز من يكون على رأس هذا الجمعيات ويمنح الشباب الأمل المفقود .
وغير ذلك من الجمعيات..والتكتلات ولنترك الانتخابات وكل هذه الهيصة الهائصة لمحمد كمال واحمد عز..وبيننا وبينهم الأيام وان غدا لناظره قريب..
وقد تتكون من هذه التكتلات أحزاب حقيقية تتناوب السلطة و تتنافس على خدمة الوطن وإعلاء شأنه. بعد أن يكون الظالمون قد اهلكوا بعضهم أو هلكوا فيما بينهم .
وما الدنيا سوى أخذ ورد **وهدم ناب عنه بناء بانى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق