السبت، 18 ديسمبر 2010

أبو الفتوح :الإخوان ستموت إن لم تراجع نفسها(1/2)


في حوار مع "إسلام أون لاين"
 
   أبو الفتوح :الإخوان ستموت إن لم تراجع نفسها(1)
 
أجرى الحوار
 
صلاح الدين حسن
 
   اشتهر الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح لدى العديد من أفراد الإخوان المسلمين، ووسط القوى السياسية الأخرى بأنه من أكثر الإخوان المنفتحين على الآخر، والأكثر في نفس الوقت جرأة وشراسة في معارضة الحكومة.
    يصنف الدكتور أبو الفتوح بأنه من رواد جيل التجديد داخل الجماعة، ويتصف بجرأته في طرح أفكاره وقناعاته، ولا يتوانى في الرد على أي نوع من الأسئلة التي تحاول الغوص في تركيبة التنظيم الإخواني.
    في لقاء مع "إسلام أون لاين"  يجيب الدكتور أبو الفتوح عن أسئلة كثيرة تتعلق بالحالة الفكرية للإخوان المسلمين وتستشرف مستقبلهم السياسي، ويفند الكثير من الانتقادات التي توجه للعمل التنظيمي في الجماعة التي أسست منذ أكثر من ثمانين عاماً، وفيما يلي نص الحوار:
 
قطب والإخوان
 
*  منذ ثلاثة عقود كان لجيل السبعينيات في حركة الإخوان المصرية حلم يثق أنه سيتحقق.. ثلاثون عاما مضت ولم تحققوا شيئا، بينما حركات إصلاحية حققت أهدافها فى 10 سنوات وتحت ظروف أسوأ من ظروفكم، فما العلة؟
 
- ليس هناك بلد ظروفها أسوأ من ظروف مصر، فظروفنا السياسية أسوأ من ظروف جنوب أفريقيا قبل سنوات، والحال في موزمبيق وأنجولا اليوم أفضل من حالنا، لا أتصور أن هناك ظروفا أسوأ من ظروف مصر.
 
* جيل السبعينيات في الحركة – الذي تنتمي إليه - هو المؤسس الثاني للجماعة، ومع ذلك  أتى أشخاص يحسبون على الحرس القديم  من خلفية المشهد وسيطروا على مقاليد الجماعة، واكتشف الناس فى النهاية أنكم بدون ثقل، ومجرد ظواهر إعلامية  بدون أرجل تنظيمية… أنتم صنعتم الكعكة وهم قضموها.
 
 هذا الطرح غير صحيح؛ لأن جيل السبعينيات إذا جاز التعبير وما تلاه يشكل 99% من مكونات الجماعة؛ وللأسف الإعلام الأمني هو الذي روج هذه المقولة، وأن هناك مجموعة من المتشددين أو القطبيين تسيطر على الجماعة، وتهمش دور الإصلاحيين أو ما يسمى بـ "مجوعة عمر التلمساني" وهذه المقولة غير صحيحة وغير دقيقة.
 
لا شك أن التيار العام للاخوان هو تيار الإمام حسن البنا ومن يحمل فكره، وهناك أفراد هنا وهناك وعدد قليل مازال مُصراً على أن يسير على أفكار سيد قطب، وهي أفكار ثورية إقصائية في جزء منها وليس كلها، وهذا نقدي على الأستاذ سيد قطب الذي كتبته وأعلنته، وقلت إن الأستاذ سيد قطب في فكره ومواقفه لا يمثل الفكر السائد فى جماعة الاخوان المسلمين، وفكره ثوري.
 
الفكر والتيار العام في الإخوان حتى هذه اللحظة هو الملتزم بنهج وتيار الإمام البنا الذي صاغه في رسائله، والذي اجتهدنا عليه فى بعض المواقف مثل الموقف من المرأة والتعددية الحزبية.
 
يمكنك أن تختار عينة من الجماعة فى أى موقع، ستجد أن التوجه العام المسيطر على فكرها هو فكر الإمام البنا وليس فكر أحد غيره، هذا ليس معناه عدم وجود أشخاص إقصائيين هنا وهناك، ولديهم فكر متطرف، لكنهم لا يشكلون إلا نسبة قليلة جدًا، وأنا لا أشكك فى إخلاصهم، لكن لديهم قناعات مخالفة للقواعد العامة للجماعة وللتيارالعام داخلها.
 
     * تريد أن تقول إن الجيل الإصلاحي هو الذي يسيطر على عصب التنظيم؟
 
التيار الإقصائي المنغلق ليس الأصل في الجماعة، ولو كان الأصل لما دخلت الجماعة الانتخابات، لا في مجلس شعب ولا شورى، ولا محليات ولا نقابات؛ لأن طبيعة التيار الانغلاقي الإقصائي أنه لا يصلح للعمل العام. هل هناك فكر منغلق يدخل الانتخابات العامة!؟ ، أو يتحرك في انتخابات وهي من أكثر تجليات العمل العام والشعبي!؟.
كيف أقول إن هناك تيارا انغلاقيا؟ التيار الانغلاقي لا يريد دخول الانتخابات العامة ويريد مقاطعة القوى السياسية الأخرى، ولكن هذا لا يحدث، إذن لا دليل على أن التيار المتطرف المتخلف يسيطر على الجماعة.
 
هذا ليس دليلا على أن التيار المتشدد ليس المسيطر على مقاليد الجماعة؛ لأن اقتناعه بفكرة المشاركة السياسية ليس دليلا على أنه معتدل وإصلاحي؟
 
كيف؟ هذا يتناقض .. الأفكار والاعتقادات تنعكس على السلوك ..لو أن شخصا لديه أفكار لا تتجاوز جمجمته فلن يكون لأفكاره قيمة، لكن الجماعة تمارس الأفكار والأفكار خطورتها أنها تتحول لممارسة على الأرض، فالممارسة لا تنبئ عن حالة انغلاق ولا حالة إقصاء.
 
ضرورة الإصلاح
 
"..إما القيام طوعًا بثورة إصلاحية داخلية تخلص الجماعة من عيوبها التاريخية خصوصا ما يتعلق بالجمود الفكرى والديني الذي أصابها على مدار عقود، أو التعرض لنوع من الانفجار الداخلي ربما يكون بداية الاندثار للطبيعة الكلاسيكية للجماعة بما قد يمهد الأرض لبروز تيار إسلامي جديد" ..  مارأيك ؟
 
أنا أتصور أن هناك خلطاً في هذه المقولة أو هذا الطرح بين حالة الجمود في المجتمع المصري وبين حالة الإخوان المسلمين، المجتمع المصري يعاني من حالة خمول عامة نحن كإخوان مسلمين أحد ضحاياها، النظام صادر حركة المجتمع المدني كله وحاصره بداية من سنة 1992 عندما بدأ الإرهاب والعنف، وحيوية أي مجتمع ومنظماته الأهلية أحد الأسباب الرئيسية لتكوين قيادات ولتطوير الفكر، أنت تتحدث عن مجتمع مدني ومنظمات تتحرك في المجتمع المدني مثل الإخوان والقوميين وغيرهم، نحن جزء من هذه المنظمات ونصاب كغيرنا بحالة خمول وحالة جمود.
 
في الطب نقول العضو الذي لا يتحرك يضعف، بل يصل الى حد الموت، فالحصار الذي فرضته الدولة على مؤسسات المجتمع المدني كلها - وبالذات الحركات الإسلامية كالإخوان المسلمين - لا شك أنها أصابتها بحالة من الجمود؛ لأن تطوير الفكر والمواقف والرؤى يأتى في سياق حركة في المجتمع موجودة.
 
وأنا لا أقول هذا الكلام على إطلاقه، ولا أستطيع أن أقول إن حركة الإخوان المسلمين مصابة بحالة جمود مطلق، إنما هي حالة جمود نسبي، بدليل أنك عندما تنظر إلى مكونات المجتمع المصري في السبعينيات تجد عصام العريان وحلمي الجزار وإبراهيم الزعفراني وخيرت الشاطر بالنسبة للتيار الإسلامي، وتجد حمدين صباحي ومحمد سامي في التيار الناصري، واليساريين تجد أحمد بهاء شعبان على سبيل المثال، ولكن لو سألتك أين هي قيادات الإخوان واليساريين والناصريين في الثمانينيات والتسيعنيات فلن تجد اسما تقوله لي، هذا لأن المجتمع منذ 92 نتيجة الإرهاب ونتيجة مزيد من سيطرة الدولة واستبدادها وفسادها وانحرافها - الذي لا يحميه إلا القبضة الأمنية - ضَّيق على المجتمع المدني، وضيق حركته فأفقده الحيوية.
 
لا شك أن هذا أصابنا بالجمود وأثر علينا، أنت تجدد فكرك عندما تصطدم بالمجتمع وتتحرك وتتفاعل معه فتجدد فكرك، ما الذي جعلنا في 1994 نجتهد على رأي الإمام البنا في مسألة التعددية الحزبية والموقف من المرأة؟، لقد كان هذا اجتهاداً على موقف الإمام البنا؛ لأن هذا كان نتيجة الحيوية والحركة التي مارسناها من 1984 حتى 1994 عندما دخلنا الانتخابات العامة فوجدنا أنفسنا نصطدم بقضية المرأة، وترشيحها ومشاركتها في العمل السياسي، فبحث الإخوان هذا نتيجة للاحتكاك بالواقع، وأصدروا رسالة المرأة وحقها فى المشاركة.
 
 
هل النظام متهم؟
 
لماذا نعشق ترحيل مشاكلنا وعيوبنا، عندما نتحدث عن حتمية النقد الذاتي وضرورة الإصلاح نقول إن النظام هو سبب المصائب التى تنسكب على رؤوسنا!؟، راشد الغنوشي المحكوم عليه بالإعدام قفز على إشكاليات فكرية منذ سنين مازالت تواجه الإخوان إلى اليوم، ما دخل النظام بإشكالاتكم الداخلية؟ هل يستطيع النظام أن يحبس التطور الفكري داخل حركة ما؟
 
هذا غير صحيح، ويمكن وصفه بالإصرار على تثبيت الاتهام الذي ليس في مكانه الصحيح، هذا لا يعني أننا لسنا "غلطانين" وأننا "كويسين" وأن الدولة مسئولة عن كل مصائب مصر، نحن لسنا برآء من هذا، لكن الدولة من باب الإنصاف والعدل تتحمل القسط الأكبر من جريمة قتل المجتمع المدني.
 
والطرف الآخر وهو المجتمع المدني والقوى السياسية تتحمل جزءاً من هذه الجريمة؛ لأنهم لم يقوموا بالمقاومة الواجبة إزاء هذا الجمود، أنا لا أتصور أن المقاومة التي يقوم بها الإخوان - وهي عبارة عن وقفات ومظاهرات - كافية للتغيير،  هناك عمل سلمي قوي كان يمكن أن يحدث التغيير في 2005، وكانت هذه رؤيتي في ذلك الوقت، عمل سلمي مقاوم كان يمكن أن يحدث تغييرًا، أو ضغوطاً كبيرة على السلطة لإحداث تغيير حقيقي في البنية الأساسية للمجتمع والنظام السياسي.
 
·   ما يمارسه النظام مع القوى المعارضة شيء طبيعي تفعله كل النظم المستبدة، والحراك السياسي تصنعه القوى السياسية المعارضة، وإن لم يحدث حراك في المجتمع فالجمود مسئوليتكم.
 
هل تريد أن تقول لي إنه في ظل هذا الضغط الذي مارسته الدولة، وفي ظل المصادرة والاعتقالات واستخدام كل هذه الأموال للصرف على جهاز الأمن، تريد أن تقول إن المجتمع يصبح بحالة صحية كاملة أو حتى نصف كاملة!!؟.
 
لا يمكن أن يكون هكذا، لا بد أن نؤكد على جريمة الدولة، ومحاولة بعض السياسيين والمحليين والصحفيين تبرئة النظام من الجريمة الكبرى في حق المجتمع المصري شيء خاطئ.
 ومن يقول إنه من الطبيعي أن تتصدى الدولة لنا كمعارضة، أرد عليه بأن هذا الأمر ليس طبيعيًا.
كيف نقول إنه من الطبيعي أن يسرق الحرامي!؟، النظام أجرم في حق الشعب، ولابد أن نؤكد على هذا، نعم دوري أني أقاومه وفي تقديري أن القوى السياسية بما فيها الإخوان لم تقاوم بنفس القدر، هذا تقصير منا يجب أن نعترف به، لكن هذا التقصير لا يساوي أبدًا ما يقوم به النظام ضد المجتمع المصري بفساده وانحرافه واستبداده ومصادرته لحق الناس في الحياة والعمل والحركة واتهام البعض لنا بأننا "ساكتين"، لا نحن لسنا ساكتين نحن نبذل جهدنا، والقول بأننا يمكن أن نفعل أكثر من ذلك صحيح، هذا تقصير يجب أن نعترف به.
 
* لم تحققوا بعد الأهداف العليا المعروفة في أدبيات الإخوان، وتقومون بعمل تنظيمي "محلك سر" بأشكال مختلفة، فلماذا لا تعقدون هدنة ولو من جانب واحد تراجعون فيها أنفسكم وتعيدون خلالها البناء الأخلاقي والثقافي المتدهور للإخوان؟
 
 
إعطاء المسائل أكبر من حجمها يستوي مع إعطاء المسائل أقل من حجمها، "إن الله يأمر بالعدل والإحسان"، والقول بأن حركة الإخوان المسلمين مشغولة بالعمل السياسي، عن العمل الدعوي والتربوي مخالف للحقيقة لأن العكس هو الصحيح.
 
ما هو حجم التربية السياسية فى جماعة الاخوان المسلمين؟، حجمها بسيط جدًا مع أنه مطلوب أن تكون قوية، أكثر من 90% من طاقات الإخوان المسلمين المادية والمعنوية والوقتية منصرفة في العمل البنائي في الإخوان، صحيح أن هناك ضعفا لحق بالبنية السياسية والتربوية والثقافية والتربوية للإخوان بسبب حرمانهم من بعض الممارسات، وبسبب أن الطبيعة الإسلامية والبناء الثقافي والفكري والتربوي الإسلامي بطبعه منفتح، والبناء الطبيعي لابد أن يكون في جو منفتح.
 
 ولتتأكد من هذا ارجع للقيادات التي بنيت خلال الجو المنفتح في السبعينيات، وتكوينها الثقافي والفكري والتربوي، ستجدهم أكثر اعتدالاً من الذين كونوا داخل الغرف المغلقة. التضييق البوليسي يحدث حالة انبعاج في المكون الثقافي والفكري والتربوي للشخص سواء كان إخوانيًا أو ناصرياً أو غيره، بغض النظر عن المكون الفكري؛ لأن التكوين الطبيعي للإنسان صاحب الرسالة وصاحب القيم والمبادئ يجب أن يكون في جو مفتوح، وليس في خضم مطاردة وتضييق، وشرطة تجعل مكوناته الثقافية والفكرية والأخلاقية فيها خلل لحق بها دون إرادة منه، لكن هذا لا يعني أنه فاقد للقيم والمبادئ الرئيسية فيه.
 
 لا يمكن أن تقول ذلك فظلم أن تحكم على فرد من الإخوان مازال أميناً ومخلصًا لوطنه، وملتزما بالأخلاق من صدق وأمانة وإنسانية ورحمة وتقول إن هذا الفرد من الإخوان مثله مثل الفرد العادي في المجتمع الذي يستحل أموال الناس ويفسد وينحرف ويأكل أموال الغير بالباطل، ويغلب مصلحته الشخصية على مصلحة وطنه، لو قلت هذا سيكون حراما عليك، لكن أن تقول إنه كان من الممكن أن يكون التكوين الثقافي والفكري والتربوي لفرد الإخوان أفضل من هذا، أقول لك صحيح، كان من الممكن أن يكون أفضل من هذا.
 
ومشكلة التعميم هذه ليست صحيحة، ولا دقيقة، ومشكلة بعض الاعلاميين والصحفيين وغيرهم أحيانًا أنه يقع ضحية منطقة معينة عاش فيها، أو شخصيات معينة احتك بها فيتصور أن هذه هى الحالة العامة.
 
* أنا أتحدث عن رصد لظواهر التراجع في البنية الثقافية والفكرية لدى الفرد الإخواني، وبالتالي لماذا لا يكون هناك تركيز على النواحى الاخلاقية والثقافية في ظل انكماش المجتمع بسبب الظروف الاقتصادية السيئة، وتآكل الطبقة الوسطى، بما يجعل مجرد التفكير في الإصلاح ترفاً فكرياً لدى الأغلبية المطحونة من الشعب؟
 
-ليست هذه هى الصورة، من يتحدث عن رصد يطلق تعميماً في الواقع، انزل وانظر إلى الإخوان المسلمين في كل مكان، واعقد معهم مقابلات واسألهم لن تجد أن هذه هي الصورة، هناك خلل نعم، أنا موافق، لكن الإنصاف يقتضي أن نقيس بمعايير عادلة، وأنا أريد أن أفرق بين المؤثرات العامة التى أثرت على الشباب المصري واستوى فيها كل الشباب سواء أكان إسلاميا أم غير إسلامي، وبين أنها أثرت بشكل خاص على شباب الحركة الإسلامية، ومع ذلك فالشباب الإسلامي أكثر ممانعة من الآخرين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق