الأربعاء، 22 ديسمبر 2010



ما الفرق بين السنة والشيعة؟ ما هي أبرز أوجه الاتفاق وما هي الاختلافات؟ هل نصرة الشيعة حلال أم حرام، وما هي الفتنة الكبرى التي تهدد أمتنا الإسلامية؟ أسئلة هامة وخطيرة أجاب عليها الدكتور سليم العوا -الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- في حوار مفتوح عقده بنقابة الصحفيين المصرية، وحضره نخبة من العلماء والإعلاميين وأداره المفكر الإسلامي أبو العلا ماضي.
في البداية، أكد الدكتور محمد سليم العوا أن أكثر أهل السنة لا يعرفون عن الشيعة سوى أنهم طائفة تغالي في التشيع مع أن الشيعة يعرفون عن السنة الكثير، وهو ما أكده المفكر الدكتور أحمد كمال أبو المجد بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران، ولا يزال هذا هو الواقع الذي نعيشه حتى الآن.. وللأسف الشديد تشيع معرفة مغلوطة بين السنة والشيعة وهذا يقتضي التعرض للموضوع بنوع من البصيرة وبعين الإنصاف والعدل دون تزييف أو مزايدة.
ويضيف الدكتور سليم العوا أنه عندما ننسب للناس أقوالا أو نحاسبهم على آراء فيجب أن نحاسبهم على ما قالوه فقط دون التطرق إلى النتائج المترتبة على أقواله؛ لأن القاعدة المسلمة أن "ناسب المنهج ليس بمنهج"؛ أي إنني لست المسئول إذا قلت كلاما أن يفهمه الناس بأسلوب وشكل خاص بهم.
كيف افترقنا؟
ويؤكد الدكتور العوا أن أول شيء يواجهنا ونحن نتحدث عن السنة والشيعة هو الإجابة على سؤال كيف افترقنا؟ هذه أمة واحدة، مأمورة بالاعتصام بحبل الله؛ فالإسلام منذ عهد رسول الله والمسلمون أمة واحدة لا يفرقهم رأي، كانوا جماعة تعرف كلمتها، وكانوا كما أراد بهم ربهم إلى أن انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى، فكان أول خلاف في أمة محمد الخلاف في الإمامة؛ أي من يتولى إمامة المسلمين بعد رسول الله، ثم كانت الفتنة والنزاع بين معاوية وعلي بن أبي طالب، واختلف الفريقان وتولد أول نزاع مسلح في الإسلام بين ثلاث من الصحابة الأجلاء، وتفرق المسلمون إلى ثلاث فرق هي:
الفئة الأولى: الخوارج، وهي فئة خرجت عن الجماعة وقررت قتل الصحابة الثلاثة، ونجحوا في قتل علي رضي الله عنه، وفشلوا مع الآخرَيْن لحكمة يعلمها الله.
الفئة الثانية: فئة ساندت عليا وسموا بالشيعة، وتفرقوا إلى فرق كثيرة، أبرزها الشيعة الإمامية الاثني عشر والجعفرية.
الفئة الثالثة: ساندت معاوية في البداية إلى أن جاء عام 40 هجرية، فتنازل الحسن لمعاوية عن الخلافة، وسمي بعام الجماعة، وسميت هذه الفرقة بأهل السنة والجماعة، وهذه الفرقة تختلف عن فرق الشيعة وتختلف عن الخوارج في مسائل عقائدية ومذهبية.
وفي هذا الإطار نؤكد أن الشيعة مذهب فقهي، وهم فرقة من فرق المسلمين ونشدد على كلمة المسلمين؛ لأن علماء المسلمين أكدوا في كل كتبهم أن الشيعة مسلمون، ولا يوجد كتاب يخرج الشيعة من فرق الإسلام.
وفي هذا يلفت الدكتور العوا النظر إلى خطأ تعبيري شائع عندما نتحدث عن التقارب بينالمذاهب والأديان، والصحيح أن نقول التقارب بين أهل المذاهب والأديان؛ لأن كل صاحب مذهب يعتقد أن مذهبه هو الصحيح، وليس عيبا أن يكون هناك اختلاف، فلو أراد الله لجعلهم أمة واحدة. والاختلاف هو سر الابتلاء وهو إرادة إلهية.
ولكن ما هي أوجه الاتفاق والاختلاف بين السنة والشيعة؟
يجيب الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: إن الذي يجمعنا بالشيعة عدة أركان؛ أولها الإيمان بالله ربا وبمحمد نبيا ورسولا، وكل ما جاء به نبينا عليه الصلاة والسلام، وكذلك الإيمان بالقرآن كتابا منزلا من عند الله، وبالرغم من أن هناك مقولات تزعم أن الشيعة يؤمنون بتحريف القرآن ونسب إلى أحد كتب الشيعة ذلك، إلا أنه يجب أن نعلم أن هذه المقولة حادثة، كما أنها منكرة، فقضية الإيمان بالقرآن الكريم لا اختلاف عليها بين المسلم السني والمسلم الشيعي، ودمج سورتي الفيل وقريش وسورتي الانشراح والضحى في سورة واحدة لا يعني خلافا، والدليل على ذلك أن جميع المصاحف المطبوعة في إيران تم طبعها على تلاوة حفص عن عاصم.
ويضيف: منذ 107 أعوام تقريبا كتب المتحدث النوري كتابا بعنوان "فصل الخطاب في تحريف الكتاب"، وجمع فيه روايات من كتب الشيعة، وأشار إلى أن تلك الروايات تدل على تحريف القرآن، وقبله لم يقل أحد بتحريف القرآن على الإطلاق، وقد قوبل كتابه بانتقادات شديدة من قبل الحوزة العلمية، وضجرت بآرائه، ولم يقبل الشيعة منذ ذلك الوقت بأن يقال إنه تم تحريف القرآن، وتم التشكيك في كتابه والإشارة إلى أن الروايات التي جمعها مجهولة وضعيفة الرواية، وهو ما أكده الخميني الذي اتهم رواياته بالضعف، وأنها محشوة بالكثير من الحكايات الهزلية الضعيفة.
ويستطرد الدكتور العوا قائلا: "يجمع بيننا أيضا وبين الشيعة الالتزام بالأركان العلمية، مثل الصلاة والصيام والحج، والاختلاف بيننا وبينهم كالاختلاف بين المذاهب، والاتفاق بين السنة والشيعة يصل إلى نحو 90%، والاختلاف في 10% يعتبر نسبة بسيطة؛ خاصة أنها في التفاصيل وليست في الأصول، وهو ما يؤكده الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه "مبادئ في الحوار والتقريب بين المذاهب" أن الفقهين في النهاية متقاربان إلى حد كبير؛ لأن المصدر الأصلي واحد وهو الوحي الإلهي، والأهداف النهائية متفقة بين الطرفين.
أوجه الاختلاف
أما أوجه الاختلاف بين السنة والشيعة فيوجزها الدكتور العوا في عدة أمور هي:
*  مسمى "عصمة الأئمة"، وهو الاعتقاد الشائع لدى الشيعة الإمامية، ونحن لا نقبل هذا الاعتقاد؛ لأنه لا عصمة بعد رسول الله.
* كما أنهم يقولون في الإمامة إنها وضع إلهي أوصي به الرسول إلى علي، ثم أوصى به علي إلى من بعده، وحتى محمد بن الحسن العسكري. ونحن نقول إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعين حاكما بعده، وإنما أوصى فقط وترك الأمر شورى بين المسلمين. واعتقاد الشيعة هذا ترتب عليه ما سمي بالإمامية المهدية "المهدي المنتظر" الذي يعيد لأهل البيت سمعتهم ووضعهم اللائق.
وفي مسألة العصمة والإمامة فلهم في ذلك ثلاثة اجتهادات:
 أولها اجتهاد الخميني أو ما سمي بـ"ولاية الفقيه" أن للوالي ما للإمام الغائب من أحكام وإقامة الدولة الإسلامية.
الاجتهاد الثاني لصاحبه محمد مهدي شمس الدين، ويرى ضرورة ولاية الأمة على نفسها؛ لأن ولاية الفقيه تصلح في إيران ولكنها لا تصلح لدى أهل السنة، ويرى ضرورة أن تقود الأمة نفسها بنفسها بالاختيار الحر، ونسميه نحن بالحكم الديمقراطي.
أما الاجتهاد الثالث لصاحبه حسين علي منتظري  فيرى أن الأمة يجب أن تختار إمامها لمدة محدودة وهي مدة حاكمية غير المعصوم، وحدود اختياراته تكون نابعة من اختيار الناس حضورا وبقاء، وهذا الاجتهاد بالغ الأهمية؛ حيث يؤمن به 80% من أعضاء مجلس الشورى الإيراني ومجلس الوزراء، والرئيس الإيراني نفسه أحمدي نجاد.
ويؤكد الدكتور العوا أنه وبالرغم هذا الاختلاف فإن مسألة الإمامة هي من الفروع، ولا ينبغي أن نقحمها في الأصول.
أسباب الفجوة
ويضيف: للأسف الشديد نشأت فرقة سياسية أدت إلى توسيع الفجوة بين المسلمين والشيعة بسبب الأحداث السياسية التي ألقت بظلالها على المنطقة.. فبعد اندلاع الثورة الإيرانية أيدتها الشعوب العربية والإسلامية وعارضها الحكام، وهو ما اعتبره الشعب الإيراني أننا نؤيد حكم الشاه الذي حكمهم بالحديد والنار.. بعدها وقعت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، وبالرغم من أن الحرب سياسية في المقام الأول فإنها ارتدت رداء المذهبية؛ كأنها حرب بين الشيعة والسنة أو أنها حرب عربية فارسية، وتلك الحرب اختلفت فيها الشعوب؛ فالبعض أيد إيران واعتقد أنها حرب ضد الدولة الإسلامية بها، والبعض ساند العراق.
ثم كانت الفرقة الثالثة عند الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 والذي أعقبه نشوء حزب الله، الذي استطاع أن يطرد المحتل الإسرائيلي في عام 2000 ولم تنس إسرائيل تلك الهزيمة لتُكرّر العدوان عام 2006، إلا أن حزب الله نجح في دحرها وعادت مهزومة مجروحة، وساندت الشعوب العربية والإسلامية المقاومة رغم الأقاويل التي ترددت ووصفتها بأنها مغامرة غير محسوبة، وأنها انتهت إلى دمار لبنان، إلا أن الحقيقة أن حزب الله نجح في أن يرد إلينا كرامتنا ورفع رؤوسنا، وأثبت لنا أنه لا يوجد عدو لا يقهر، وإذا كانت لديك الرغبة في المقاومة فإنك قادر على أن تهزم أي عدو؛ فالمقاومة لم تقتصر فقط على رجال حزب الله الشيعي، وإنما انضم إليه رجال السنة بعد صدور بيان علماء المسلمين بوجوب المقاومة مع حزب الله في حربه ضد العدو الإسرائيلي.
ويؤكد الدكتور العوا أن أمريكا تسعى حاليا إلى فتح ملف إيران، واستطاعت طهران أن تجيد فن التعامل الدبلوماسي؛ وهو ما اتضح من طلب نجاد الأخير مناظرة الرئيس الأمريكي الذي رفض؛ لأنه أضعف من أن يواجه رجلا امتلأ قلبه بالإيمان، وهو يسعى إلى الحصول على حقه في امتلاك قوة نووية، لذا يسعى أعداؤنا -وما أكثرهم- إلى محاولة اختراقنا وزعزعة كلمتنا، لذا سعوا إلى محاولة اختراق وتقسيم الأمة.
مخطط الأعداء
لذا يجب أن نؤمن بأن التعددية -مع الاحترام لكل رأي وفكر-هى أساس قوتنا وحيويتنا، وعكس ذلك هو الذي يهدمنا ويجب في ذلك أن نرفع شعار الوحدة الإسلامية، لذا يجب أن تتوحد المذاهب كلها من أجل مواجهة الصهيونية والاستعمار؛ حيث اجتمع أعداؤنا جميعا على قلب رجل واحد من أجل هدف واحد وهو القضاء على الإسلام، لذا يسعون إلى البحث عن كل ما يضعفنا ويفرق شملنا وهو مخطط كبير يجب أن نلتفت له، والدليل أن حروب أمريكا كلها موجهة إلى دول إسلامية، والدور القادم على إيران ومن بعدها سوريا فالسعودية ومصر، لذا فوحدتنا هي الحل لمواجهة أطماع أعدائنا، ونحن في ذلك ضد أي فتنة تطالب السنة بالتشيع أو الشيعة بالتسنن، ودعوة كل مذهب إلى ترك مذهبه هي فتنة عظيمة وقانا الله منها، ونحن ضد هذه الفتنة، ويجب أن تتكاتف جهودنا جميعا من أجل التصدي لها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق