الثلاثاء، 21 ديسمبر 2010

أسماء الله الحسنى – مقدمة 2ـ لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي .


بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
 
 
حديث عظيم أصل في أسماء الله :
 أيها الإخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس أسماء الله الحسنى ، وما زلنا في المقدمات .
في الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا ، مائَةً إِلَّا وَاحِدًا ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ )) . [ متفق عليه ]
 

معنى : أَحْصَاهَا :
هذا حديث صحيح اتفق عليه الشيخان ، وهو من أعلى مراتب الصحة ، لكن كي نفهم معنى :مَنْ أَحْصَاهَا ، نقرأ الآية الكريمة :
]لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94)]     (سورة مريم)
 

الفرق بين الإحصاء والعدِّ :
 يبدو أن الإحصاء شيء، والعد شيء آخر، فأنت كمعلم يمكن أن تعد طلابك بشكل سريع، أما أن تحصيهم ، أن تعرف إمكاناتهم ، مستوياتهم ، تفوقهم ، وضعهم العائلي ، وضعهم في البيت ، مدى تقيدهم بمنهج الله عز وجل ، الإحصاء دراسة شاملة ، النبي عليه الصلاة والسلام يجعل إحصاء الأسماء سبباً وحيداً كافياً لدخول الجنة :
(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا ، مائَةً إِلَّا وَاحِدًا ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ )) .

وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ

 
أقرّب هذا المعنى بآية ثانية :
]الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ (46)]  (سورة الكهف)
حينما قال : ] وَالْبَاقِيَاتُ [، معنى ذلك أن المال والبنين شيء زائل ، كل مخلوق يموت ، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت .
والليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر         والعمر مهما طال فلابد من نزول القبر
و كل ابن أنثى و إن طالت سلامته             يوماً على آلة حدباء محمـــــول
                   فإذا حملت إلى القبـــور جنازة             فاعلم بأنك بعدهــا محمـــــول
 
 
]الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (46)]        (سورة الكهف)
ودقة الآية أن المال من دون بنين مشكلة كبيرة ، وأن البنين من دون مال مشكلة أكبر .
]الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (46)      (سورة الكهف)
لكن الله عز وجل حينما قال :
]وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ (46)     (سورة الكهف)
متع الدنيا زائلة ، فما الباقيات الصالحات؟
قال بعض العلماء : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، دقق ، إن سبحته أي نزهته عن كل نقص ومجدته ، وحمدته ووحدته وكبرته ، فقد عرفته ، وإن عرفته عرفت كل شيء ، وإن عرفته صغر في عينك كل شيء ، وما معنى : الله أكبر ؟ أكبر من كل شيء ، بل أكبر مما عرفت .
]الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ (46)[(سورة الكهف)

أنت أيها الإنسان زمنٌ :

 
البطولة أيها الإخوة ، أنت زمن ، في أدق تعاريف الإنسان ، أنه بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، هذا تعريف الإمام الجليل الحسن البصري ، الإنسان بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه .
ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي : يا ابن آدم أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، وتزود مني ، فإني لا أعود إلى يوم القيامة ، بل إن الإنسان بضعة أيام ، وهو في الحقيقة زمن فقط ،بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، لذلك جاءت الآية الكريمة :
﴿ والْعَصْرِ {1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} ﴾ .     ( سورة العصر )
جواب القسم أن الإنسان خاسر لا محالة ، لماذا ؟ لأن مضي الزمن يستهلكه فقط ، لكنه يستطيع تلافي هذه الخسارة إذا تعرف على الله ، وتعرف إلى منهجه ، وحمل نفسه على طاعته ، وتقرب إليه بالعمال الصالحة .
] إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) [
( سورة العصر ) .
قال الإمام الشافعي : " هذه أركان النجاة في الدنيا " ، لا بد من أن تتعرف إلى الله ، ولا بد من أن تحمل نفسك على طاعته ، ولا بد من أن تدعو إليه ، فالدعوة إليه فرض عين على كل مسلم ، الدليل :
(( بلغوا عني ولو آية )).    [ أخرجه أحمد والبخاري والترمذي عن ابن عمرو ] .  
لكن الدعوة التي هي فرض عين في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف .
لذلك أيها الإخوة الكرام ، الإنسان إما أن يستهلك عمره استهلاكاً ، أو أن يستثمره استثماراً ، إذا تعرف إلى الله ، وتعرف إلى منهجه ، وحمل نفسه على طاعته ، وتقرب إليه يكون قد أنفق وقته استثماراً ، أنفق وقته في عمل جليل ينفعه بعد مضي الزمن .

أهمية العلم بأسماء الله تعالى :
لذلك أيها الإخوة الكرام ، موقع أسماء الله الحسنى من العقيدة موقع كبير :
(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا ، مائَةً إِلَّا وَاحِدًا ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ )) .
ماذا يقول العالم الجليل ابن القيم رحمه الله تعالى ؟ يقول : العلم بأسمائه وإحصائها أصل لسائر العلوم ، فمن أحصى أسماءه كما ينبغي أحصى جميع العلوم ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( فَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى كَلَامِ خَلْقِهِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ )) .
[ رواه الدارمي ]
 
الآن فضل معرفة الله على معرفة خلقه كفضل الله على خلقه .
إنسان يحمل أعلى شهادة في الفيزياء النووية ، إذا انتهى أجله انتهت هذه الشهادة ، يقول لك : الدكتور فلان عميد أسرتهم ، انتهى ، لكن إذا تعرف إلى الله ينتفع بهذه المعرفة بعد الموت وإلى أبد الآبدين ، لهذا كل علم ممتع ، لكن ما كل علم ممتع بنافع ، والعلم النافع قد يكون غير مسعد ، ما كل علم نافع بمسعد ، إلا أنك إذا تعرفت إلى الله فهو علم نافع ممتع مسعد في الدنيا والآخرة :
(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا ، مائَةً إِلَّا وَاحِدًا ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ )) .

معرفة الله لابد أن تكون مصحوبة برحمة مستقرة في قلب المؤمن :

 
كيف نحصيها ؟ قالوا إحصائها أن تتعرف إلى ألفاظها وعددها ، وقالوا : إحصائها أن تفهم معانيها ومدلولاتها ، وقالوا : إحصاءها الدعاء بها كما ينبغي ، دعاء ، وثناء وعبادة ، ودعاء ، مسألة ، وطلب ، هذا معنى إحصائها عند ابن القيم رحمه الله تعالى .
 
الآن أيها الأخوة ، ينبغي أن تتعرف إلى الله ، وأن تشتق منه كمالاً إذا اتصلت بالرحيم ، لا بد من أن يستقر في قلبك الرحمة ، دقق في قوله تعالى :
] فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ (159)    ( سورة آل عمران)
يا محمد ، بسبب رحمة استقرت بقلبك عن طريق اتصالك بنا لنت لهم ، فلما كنت ليناً لهم التفوا حولك ،
 
 ] وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ (159)      ( سورة آل عمران)
أي لو كنت بعيداً لامتلأ القلب قسوة ، فإذا امتلأ قسوة انعكس غلظة ، فإذا انعكس غلظة انفض الناس من حولك ، هذه معادلة رياضية ، اتصال ، رحمة ، لين ، التفاف ، انقطاع ، قسوة ، غلظة ، انفضاض ، معادلة رياضية بالتمام والكمال .
فلذلك أيها الإخوة ، إذا كان للإيمان مؤشر ، ومؤشر للرحمة يمشي مع هذا المؤشر تماماً ، فكلما ازداد إيمانك ازدادت رحمتك ، ومن لا يرحم لا يرحم ، يا عبادي ، إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي ، وأبعد قلب عن الله القلب القاسي .
الآن أقول لك : حينما تعرف اسم الرحيم ، وتتصل بالرحيم يمتلأ قلبك رحمة ، وهذه ثمار الصلاة الحقيقية .
 
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ .  ( سورة العنكبوت الآية : 45 ) .
من أدق ما قال المفسرون حول هذه الآية : ذكر الله لك أكبر من ذكرك له ، فإذا ذكرته أديت واجب العبادة ، أما إذا ذكرك الله عز وجل ملأ قلبك رحمة ، ملأ قلبك أمناً ، ملأ قلبك غنىً ، ملأ قلبك رضىً ، ملأ قلبك يقيناً ، ذكر الله لك أكبر من ذكرك له ، لذلك ورد في الأثر :
" بيوتي في الأرض المساجد ، وإن زوارها هم عمارها ، فطوبى لعبد تطهر في بيته ، ثم زارني ، وحق على المزور أن يكرم الزائر " .
 

بالحكمة تسعد :

 
إذا دخلت إلى بيت صديق يقدم لك بعض الضيافة ، لكنك إذا دخلت إلى بيت من بيوت الله فقد يهبك الله الحكمة .
]وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (269)    ( سورة البقرة)
 
بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة ، ومن دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى ، بالحكمة تسعد بالمال ، ومن دون حكمة تبدد المال .
أيها الأخوة الكرام ،  من أجل عطاءات الله الحكمة ، أنت إذا اتصلت بالحكيم تغدو حكيماً من معاني :
(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا ، مائَةً إِلَّا وَاحِدًا ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ )) .
تخلق بالكمال الإلهي ، اشتق من الله الحكمة ، اشتق منه الرحمة ، اشتق منه العدل ، حينما تتعرف إلى الله ، وتستقيم على أمره ، وتتصل به تشتق منه الكمال الإلهي ، فلذلك :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا {9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا {10} ﴾ .   ( سورة الشمس ) .
 
الفلاح كل الفلاح ، النجاح كل النجاح ، الفوز كل الفوز في أن تعرفه ، يا رب ، ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد مَن فقدك ؟ وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟
أيها الإخوة الكرام ، ورد في الأثر :ابن آدم اطلبني تجدني ، فإن وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتُك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء .
 
فلو شاهدت عيناك من حسننا الـذي       رأوه لــما وليت عـنا لغيرنـا
ولــو سمعت أذناك حسن خطابنا         خلعت عنك ثياب العجب و جئتنا
ولـــو ذقت من طعم المحبة ذرة       عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبـنا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـــة         لمت غريباً واشتياقاً لقربنـــا
***
 
أيها الإخوة الكرام ،
] وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180)     ( سورة الأعراف )
تعرف إليه ، ثم استقم على أمره ، ثم اتصل به تشتق منه كمالاً تتقرب به إلى الله عز وجل ، الرحيم يقبل الرحيم ، الحكيم يقبل الحكيم ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ )) . [ مسلم ]
 

منزلة الأخلاق في الإسلام :

 
أيها الإخوة الكرام ، في النهاية حينما أثنى الله على رسوله بماذا أثنى عليه ؟ أثنى عليه بالخلق العظيم :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾    ( سورة القلم ) .
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا {9}﴾     ( سورة الشمس ) .
من معاني زكاها أن هذا الإنسان اشتق من الله الكمال ، فصار خيراً وعطاءً وانضباطاً ورحمة ، ولطفاً وتواضعاً ، ما الذي يلفت النظر في الإنسان ؟ ليس علمه ، وليست إمكاناته ، وليس ماله ، يلفت النظر في الإنسان أخلاقه ، والذي يجلب الناس إليك الأخلاق ، لذلك قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " إنما الإيمان هو الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان ."
 

وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا

 
النقطة الدقيقة أيها الإخوة ،
] وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180)      ( سورة الأعراف )
 
1 – الدعاء هو العبادة :
 
هل تصدقون أن الدعاء مخ العبادة ، هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ، وفي رواية أخرى الدعاء هو العبادة ، بل إن الله عز وجل حينما قال :
]قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ (77)      ( سورة الفرقان)
دقق ، حينما تدعو جهة ما فأنت موقن أنها موجودة ، وما من إنسان يدعو جهة غير موجودة يكون أحمق ، وحينما تدعو الله فأنت حتماً موقن بوجوده ، وأنت حتماً موقن بأنه يسمعك ،والله عز وجل إن تكلمت فهو يسمعك ، وإن تحركت فهو يراك ، وإن أسررت شيئاً فهو يعلم ما في قلبك ، إن تكلمت فهو يعلم ، وإن تحركت فهو يراك ، وإن أسررت فهو عليم بذات الصدور ، لذلك قال العلماء : " علم ما كان ، وعلم ما يكون ، وعلم ما سيكون ، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون " .
حينما تدعو الله فأنت موقن قطعاً أنه موجود ، وموقن قطعاً أنه يسمعك ، وموقن قطعاً أنه قادر على كل شيء ، وهو على كل شيء قدير ، القوانين بيده ، الأقوياء بيده ، مَن فوقك بيده ، مَن تحتك بيده ، من حولك بيده ، صحتك بيده ، رزقك بيده ، أهلك بيده ، أولادك بيده ، لذلك ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، قال تعالى :
]فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)    ( سورة الشعراء )
أحد أكبر عذاب نفسي أن تدعو مع الله إلهاً آخر ، فلذلك :
] وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180)     ( سورة الأعراف )
أسماءه حسنى ، وكماله مطلق .
أيها الإخوة الكرام ، القاضي إذا حكم ألف حكم ، وخمسة أحكام منها غير عادلة ، ناتجة عن خطأ في التصور ، أو في المعلومات ، يسمى عند أهل الأرض قاضياً عدلاً ، هذا شأن البشر ، لكن شأن خالق البشر أنه لا يمكن أن نجد خطأً واحداً في أفعال الله عز وجل ، هذا معنى : سبحان الله ، الله عز وجل مطلق ، منزه عن كل نقص إطلاقاً ، فلذلك حينما تتصل بالإله المطلق تشتق منه الكمال ، والذي يلفت النظر في شخصيتك الكمال الذي اكتسبته من اتصالك بالله عز وجل .
نعود بالآية مرة ثانية :
] فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ (159)    ( سورة آل عمران)
 

ملمح دقيق فدقِّقوا فيه :

 
هناك ملمح دقيق جداً أيها الإخوة ، أنت أيها النبي ، أنت سيد الخلق ، وحبيب الحق ، وسيد الأنبياء والمرسلين ، وسيد ولد آدم ، وحبيب رب العالمين ، ويا من بلغت سدرة المنتهى ، ويا من أوتيت الوحي والقرآن والمعجزات ، على الرغم من كل ذلك : ]وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [ ، فكيف بإنسان ليس نبياً ولا رسولاً ، ولا يوحى إليه ، ولا معه معجزات ، ولا عنده بيان ولا فصاحة ، وفيه غلظة ؟ لمَ الغلظة ؟ مَن أمر بمعرف فليكن أمره بمعروف ، قال تعالى :
]فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)      ( سورة فصلت )

بين أخلاق الدعوة وخلاق الجهاد :

 
ما لم تعامل الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم فأنت لست في المستوى المطلوب ، لكن هناك أخطاء كثيرة تداخلت ، فقد أخلاق الجهاد مع أخلاق الدعوة إلى الله ، أخلاق الدعوة إلى الله قال تعالى عنها :
]فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)     [ سورة فصلت ]
 
أما أخلاق الجهاد .
 
]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ (73) [.   [ سورة التوبة ]
 
هذه أخلاق الجهاد ، وأكبر خطأ أن يستخدم الدعاة أخلاق الجهاد في الدعوة إلى الله .
] وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (159)     ( سورة آل عمران)
فلذلك حينما تدعو الله فأنت موقن أنه موجود ، وحينما تدعو الله فأنت موقن بأنه يسمعك ، وحينما تدعو الله فأنت موقت بأنه قدير على كل شيء ، وحينما تدعو الله فأنت موقن ، فضلاً عن كل ذلك أنه يريد أن يستجيب لك ، ويحبك :
﴿ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ .    ( سورة هود الآية : 119 ) .
 

خَلَقنا ربُّنا ليرحمنا :

 
في الأثر القدسي :
((لو يعلم المعرضون انتظاري لهم ، وشوقي إلى ترك معاصيهم لتقطعت أوصالهم من حبي ،ولماتوا شوقاً إلى ، هذه إرادتي بالمعرضين ، فكيف بالمقبلين )).
[ ورد في الأثر ] .
وإذا قال العبد ، وهو راكع : يا رب ، يقول الله له : لبيك يا عبدي ، فإذا قال العبد وهو ساجد : يا رب ، يقول الله : لبيك يا عبدي ، فإذا قال العبد وهو عاصٍ : يا رب ، يقول الله له : لبيك ، ثم لبيك ، ثم لبيك .
دققوا في هذه الآية :
] اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا      [( سورة طه )
إنسان ناجى ربه فقال : يا رب ، إذا كانت رحمتك بمن قال : أنا ربكم الأعلى :
] اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا     [( سورة طه )
فكيف رحمتك بمن قال : سبحان ربي الأعلى ؟
 
وإذا كان رحمتك بمن قال :
]مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [ .
( سورة القصص : 38)
فكيف رحمتك بمن قال : لا إله إلا الله ؟ لذلك :
]قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فقد كذبتم (77)]     ( سورة الفرقان)
حينما تدعو الله فأنت موقن بأنه موجود ، وموقن بأنه يسمعك ، وموقن بأنه قدير على كل شيء ، وموقن بأنه يحب أن يرحمك .
 
﴿ إِلاَّ مَن رَّحِمَرَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ .     ( سورة هود الآية : 119 ) .
لذلك :
] قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فقد كذبتم (77)      ( سورة الفرقان)
 
(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا ، مائَةً إِلَّا وَاحِدًا ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ )) .
 
] وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180)       ( سورة الأعراف )
 

خاتمة :

 
تعرفوا إليه تعرفوا إلى منهجه ، احملوا أنفسكم على طاعته ، تقربوا إليه بالأعمال الصالحة ، اتصلوا به ، إن اتصلتم به تشتقوا الكمال الرائع من الذات العلية ، من الذات الإلهية ، عندئذ الكمال ليس تصنعاً ، الكمال سجية ، فيه لطف ، فيه تواضع ، فيه رحمة ، فيه إنصاف ، فيه حكمة بالغة ، لذلك حينما تتصل به تذكره ، وذكرك له أقلُّ من ذكره لك، إذا ذكرك منحك القرب ، منحك السعادة ، منحك الرضى ، منحك اليقين ، منحك الأمن ، هذه نعم الله الكبرى .
أيها الأخوة ، فلذلك نحن في هذا الدرس إن شاء الله مهدنا لأسماء الله الحسنى ، وفي لقاء آخر إن شاء الله تعالى نتابع هذا الموضوع .
 
والحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق