الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

ليست هذه مصر..مصر أشرف وأكرم من كل ذلك... عبدالمنعم ابوالفتوح


تلقى الشعب المصري النبيل الصبور نتائج الانتخابات الأخيرة بكثير من الاستخفاف وعدم الاهتمام وإن كان هناك أيضا بعض الازدراء.. ذلك أن قدر الفجور الذي صاحب الإجراءات الإدارية قبل وفي أثناء الانتخابات كان متبجحا بدرجه غريبة لا تساويها في الغرابة إلا التصريحات التي صاحبت الانتخابات والتي صدرت من مسئولين كبار في الدولة والحكومة ومن أساتذة قانون وعلماء كبار كنا نعدهم من الأخيار..
فالناس في الدوائر الانتخابية ترى التزوير نهارا جهارا بلا أي حياء ولا أي إحساس بارتكاب الحرام ثم لا يلبثون أن يشاهدوا المسئولين لا تقطر من وجوههم قطرة عرق واحدة وهم يتحدثون عن النزاهة والحيدة والشفافية بلا أي مراعاة للاحترام والثقة والصدق.
 وبين عدم إحساسهم بخطيئتهم في الكذب والتزوير وبين عدم حبهم واحترامهم وحرصهم على الناس والوطن تعالت أصواتهم وصيحاتهم المتبجحة بالديمقراطية والنزاهة.. وأنا مع أسفي الشديد لرؤية مسئول أو كاتب أو صحفي في هذا الموقف المهين وهو مكلل بالكذب والباطل والضلال أكثر ما يعنيني في هذا المشهد المتفجر بالخديعة والتضليل هو (المستقبل) وأكثر ما يعنيني في المستقبل ثلاثة أشياء على قدر كبير من الأهمية والخطورة: روح المواطن.. وسلامة الدولة… وهيبة الوطن.

 * أنا من المؤمنين بتميز الشعب المصري النبيل وقدرته وخصائصه الكريمة وهي الخصائص والصفات التي تتجلى أبرز ما تتجلى حين يتوحد مع حكامه ومسئوليه ذلك التوحد القائم على الثقة واليقين والصدقية، وهى الصفات التي تسمو بروح المواطن إلى الدرجات العلا في الإحساس بعظمة انتمائه لوطنه العزيز عليه والعزيز بين باقي الأوطان، وهو الانتماء الذي ينتج عطاء وبذلا وتضحية وإحساس الفرد بمسئوليته الكاملة عن كيان وطنه وسلامته المادية والمعنوية بدءا من نظافة الشوارع والأماكن العامة وانتهاء بالتماسك الاجتماعي ووحدة الوطن وأمنه القومي.
 كان المصري يفخر دائما بأن (الروح فيه جوهر لا يضام).. وهو المشهد الذي كنا نراه في التكافل بين الناس والمسارعة إلى النجدة وأخلاقيات المروءة والشهامة والرجولة التي يتميز بها المصري النبيل الكريم.. أنا اليوم قلق على كل هذه الأخلاقيات وهذه الصفات، فما يراه المواطن أمامه من كذب بواح وفجور وخداع وتزوير لإرادته لا يراعي أي جانب إنساني أو أخلاقي.. ولا أقول وطني.. كل ذلك من شأنه أن يصيب الناس بارتباك وحيرة وقلق وخوف ونزوع إلى الأنانية والتخفي وراء أقنعة النفاق والجبن والسلبية واللامبالاة وهى الصفات التي تهدد الفرد في أعماق روحه.

 وهذا في حد ذاته خطر مروع على المجتمع وصلابته وتضامنه وتعاضده وقيامه بعضه ببعض.. مشهد التزوير القبيح الذي يراه الناس مصحوبا بالتصريحات الكذوبة المليئة بالفجر والتدليس يخلف آثارا هادمة لروح الناس وإحساسهم بمعنى الوطن والمجتمع والأخلاق والعطاء والتضحية والإخلاص ويتحول إلى كائن مجرد من الفضائل في غابة محكومة بقانون القوة والنفوذ والقدرة على إحداث الأذى، وتنمحي فيه كل صفات المواطن المنتمي إلى وطن وأمة وحضارة تفخر به ويفخر بها.

 * مصر عرفت الدولة المركزية من قديم التاريخ.. واستطاعت أن تراكم عبر القرون الطويلة من الحضارة ذاكرة تاريخية ثرية في الحكم والإدارة، وهو ما أقام حالة نفسيه صحية بين المواطن ودولته كان المواطن فيها يعتز بأجهزة الدولة ومؤسساتها ويرى فيها صونا وحماية وإعزازا له ولبلاده، وكانت الدولة تعتبر المواطن هو المستهدف الأول بالرعاية والحماية والخدمة.. ناهيك عن التعاقب الذي يحدث بين الأجيال في القيام بمسئوليات الدولة.. صحيح أنه كانت هناك في فترات تاريخية بعض القصور والتوتر لكن المجمل العام كان في صالح الدولة والشعب.
 لكنى أود أن أذكر شيئا يبعث على الكثير من القلق ورد في مذكرات الدكتور المسيري رحمه الله وذكرتني به بعض الوجوه والأسماء والشخصيات.. وذلك في سياق حوار بينه وبين د/أسامة الباز أشار فيه المسيري إلى (المرتزقة) الذين كانوا يملئون المنظمات الناصرية وهم في نهاية الأمر الذين استمروا في تأييد كل من وصل إلى كرسي الحكم بحماسة بالغة، فرد عليه د.أسامة بأننا يجب أن نخدم (الدولة) ونحميها من الوقوع في أيدي اللصوص والأفاقين.. ويعقب د.المسيري بأنه اقتنع بوجهة النظر هذه.

 توفي الدكتور المسيري رحمه الله وغاب الدكتور أسامه الباز وظهر قلقي كمواطن -ليس أكثر- على الدولة وأجهزتها وأعصابها الحساسة وبنيتها الإستراتيجية.. فمشهد الانتخابات المزورة ليس بعيدا عن كل ذلك بل له قربى وقرابة هنا وهناك وهو أمر خطر للغاية ومنذر بما لا تحمد عواقبه.. أعلم أن هناك مؤسسات أياديها بيضاء وتنظر إلى الوطن بعين الإخلاص والتضحية لكني في نفس الوقت لا أملك إلا أن أعبر عن قلقي خاصة أننا مقبلون على فترة هامة في تاريخ الوطن.

المكانة الإقليمية
* ما تتناقله وسائل الإعلام عن تزوير الانتخابات التي هي إرادة الأمة له أثره الشديد السوء على مكانتنا وهيبتنا الإقليمية.. فالحكومة التي تخدع مواطنيها وتزور إرادتهم وتأتي ببرلمان أكثر من فيه تحوطهم تساؤلات وشكوك.. هذه الحكومة لن تكون مسموعة الصوت مهابة الجانب بالأخص -وبشهادة كثير من مفكرينا السياسيين- أننا فقدنا الكثير من هيبتنا الإقليمية جراء سياسة التجميد والانحسار التي اتبعها النظام من بعد كامب ديفيد حتى الآن.. هل كان يتخيل أحد أن دولة خليجية تحمل هموم السودان وتتولى الوساطة في دارفور (دارفور لها حدود مع مصر)؟ هل كان يتخيل أحد أن دولة آسيوية تحمل الهم الفلسطيني وتروح وتغدو ومصر أم الدنيا ومفتاح العالم تشاهد وتتفرج! هل كان يتخيل أحد غياب مصر عن (الشام) في واحدة من أهم بلدانه وأكثرها إستراتيجية.
 من منا تجري في دمائه كرامة وعزة ونخوة ولا يتألم من هذا المشهد الإقليمي الحزين الذي صار إليه وطننا الحبيب، ليست هذه مصر.. مصر أشرف وأكرم وأعز من كل ذلك سامحكم الله.

 أنا لا أخلط بين الأشياء حين أقول إن برلمانا قويا منتخبا بإرادة الأمة قادر على المراجعة والمساءلة ويحسب لأعضائه ألف حساب من المسئولين هو الرابط والضابط والحامي لكثير من صمامات ومفاصل المجتمع والدولة والوطن.. وهذه هي حالة الحكم الرشيد في البلدان التي وضعت التزوير والاستبداد والقهر في قمامة التاريخ وقررت أن تجعل من (صوت الإنسان) في الوطن العمود الفقري للعملية السياسية في حكم البلاد في إطار من التوازن بين السلطات والمراقبة المتبادلة بين الأجهزة والمؤسسات منعا للانحراف بالسلطة وفسادها واستغلال النفوذ، ولكن للأسف الشديد وطننا محروم من كل هذا.

 وأخيرا أقول للمسئولين: تذكروا جيدا أنكم بهذه الطريقة تحدثون أذى شديدا في كرامتنا وحقوقنا وتلحقون بالوطن ومكانته ومقدراته أخطارا يمكننا جميعا تحجيمها ومنعها.. ومن ضاق عليه الحق فالجور عليه أضيق.
 أما شعبنا الطيب الحمول وخاصة الشباب منهم فأقول لهم: صبر جميل.. فكل معدود منقضٍ، وكل ما هو آت قريب.. ومصر العظيمة شهدت عصورا أحلك مما هي عليه الآن.. وإن شاء الله يكون غدنا الجميل قريبا.. فقط اصبروا وصابروا ورابطوا على أخلاقكم ودينكم وعملكم، ولشبابنا العزيز على نفسي رسالة خاصة أرجو أن تكون قريبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق