الأحد، 19 ديسمبر 2010

د. عبدالمنعم أبو الفتوح: الجماعات لا تتطور بين يوم وليلة (2/2)

د. عبدالمنعم أبو الفتوح: الجماعات لا تتطور بين يوم وليلة (2)
 
 
حوار/ صلاح الدين حسن
 
     في الجزء الثاني من الحوار  مع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح القيادى بجماعة الإخوان المسلمين بمصر يستمر الحديث عن حركة الإخوان المسلمين، والتحديات التي تواجهها في كيانها أولاً، وفي علاقتها الشائكة بالنظام المصري، وكيف تتعامل الحركة مع واقع الحظر والتضييق الذي تتعرض له أنشطتها السياسية والاجتماعية.
 
   ويعدد الدكتور أبو الفتوحعضو مكتب الإرشاد السابق بجماعة الإخوان والأمين العام لاتحاد الأطباء العرب  أهم نقاط القوة والضعف في نشاط الحركة، وكيفية المواءمة بين أدائها السياسي، والعمل على تقوية القاعدة، والعمل على تهيئة أعضاء الجماعة لخوض غمار العمل الحركي بمختلف جوانبه، وفيما يلي نص الحوار:
 
 
* إلى متى يظل أداء جماعة الإخوان الحركي يغلب لحساب أدائها التنظيري المصاب بحالة من الضعف؟
 
   هذا طبيعي، أي تنظيم مدني يُحاصر ويطارد في أي دولة بغض النظر عن مرجعيته الفكرية طبيعي أن يتخندق حول نفسه، ويخاف على نفسه؛ فيتزايد الأداء التنظيمي على حساب الأداء الفكري الذي ينمو في الجو المفتوح.. البعض يقول أحيانا لماذا الإخوان المسلمون لا يوجد فيهم مبدعون ومفكرون مثلما كان الحال في الماضي؟، وهل الجو المصري الخانق الذي تمارسه الدولة يسمح بوجود مفكرين ومبدعين؟ حالة الإبداع والفكر أصبحت الآن حالة استثنائية، أَضِف في الجانب الإخواني المطاردة البوليسية ومصادرة الأموال والقبض على الإخوان واعتقالهم.
 
 فلا أحد من الإخوان مثلاً يستطيع أن يحتفظ بورقة فيها فكرة لكي ينضجها غدًا؛ لأن الأمن يأتي ليقبض عليه ويحرز الورقة ويقدمها لنيابة أمن الدولة كدليل إدانة، كما حدث في عام 1992 عندما أخذوا من منزل خيرت الشاطر أوراقا أطلق عليها وثيقة التمكين، وهى أوراق كانت لأشخاص تفكر ولها طموح وآمال وتخطط في كيف تصلح مصر.
 
الإبداع والاستبداد
 
* ألا تخلق المحنة التي يمر بها الوطن والشخص حالة إبداعية تولد من رحم القهر والاستبداد؟
- ستكون حالة استثنائية أيضًا، أي متابع منصف لا يستطيع أن يقول إن رموز الإبداع والفكر والثقافة سواء على مستوى السينما والرواية وغيرهما موجودة حالياً، أين هي أسماء مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وطه حسين؟، هل وصل بنا الحال أنه كلما أردنا أن نقول إننا قرأنا نقول نجيب محفوظ؟ هذا رجل رحل… قل لي أسماء جديدة اليوم، المجتمع أصابه حالة نضوب عام.
 
* لكن النضوب الفكري والإبداعي عند الإخوان يرجع إلى عوامل ذاتية لا إلى عوامل خارجة عن الحركة.
 
لا ليست لأسباب ذاتية، الأسباب الذاتية التي داخل الإخوان نتجت عن حالة خارجية أدت إلى انكفاء التنظيم على ذاته أحيانا. الإبداع يحتاج إلى شكل من أشكال التحرر، والضوابط التنظيمية ضد الإبداع، وضد التحرر، ولكن لماذا تمارس الضوابط التنظيمية بهذه القسوة؟، بسبب الخوف، أنت عندما تأتي إلى أحد الإخوان يقول لك "وأنت جاي خلي بالك"، ودائما ينبهون على وجوب إغلاق الموبايلات أثناء اجتماعهم كي يؤمنوا أنفسهم، ما الذي يدفعهم إلى اتخاذ هذه الإجراءات؟، هذا أصبح جزءاً من مكوناتهم النفسية والثقافية.. ما الذي يُلجئ تنظيم الإخوان إلى السرية والكتمان؟، هناك قصور وتقسيم للمشكلة، ما الذي يجعله يلجأ للسرية لإتمام نشاطه؟.
 
* هناك عدم اهتمام ببلورة أي مشروع لتجديد الفكر الديني، في حين تنصب كافة الجهود لتنشئة أجيال إخوانية تحمل فكرة الدفاع عن الجماعة والتماهي معها كما لو كانت هدفا بحد ذاته.
المتابع يدرك أننا قمنا بعملية تجديد، الجماعة في أوائل الثمانينيات كان طرحها يتعلق بإشكالية هل ندخل المجالس النيابية أم لا ندخلها أصلاً؟، حدثت نقلة بعد ذلك، واعتبروا أن المشاركة في مؤسسات الدولة وسيلة للإصلاح، والإخوان اجتهدوا في قضية المرأة والتعددية الحزبية، وخرجوا من التقوقع حول أنفسهم وبدؤوا بالتعامل مع الأطراف الأخرى والقوى السياسية والأحزاب.
أليس هذا تطويرًا؟ الجماعات لا تتطور بين يوم وليلة. هل تتصور أن تنام وتصحوا فتجد حركة الإخوان تطورت؟.
 
التقدم البطيء
 
* إذن لماذا لا يقوم الإخوان بمراجعة شاملة وعلنية يسألون فيها أنفسهم لماذا نتقدم ببطء؟
 
حديثي معك الآن نوع من المراجعة، أنت رجل إعلام، وحديثي معك في أمور تخص الإخوان أليس مراجعة؟.. ما هي المراجعة في تصورك؟.. حينما يراجع الإخوان المسلمون بعض مواقفهم من المرأة ويجتهدون على كلام "البنا" أليست هذه مراجعة؟ حينما يراجع الإخوان قضية التربية أليست هذه مراجعة؟

أي تنظيم مدني لا يراجع نفسه يموت، والإخوان لم يموتوا لأنهم يراجعون أنفسهم، لكن قد لا تكون المرجعات بنفس السرعة التي يتمناها كل المخلصين لمصر وللفكرة الإسلامية، ليس التخلف فقط معناه الضياع، بل الوقوف في محلك سر أيضا معناه الضياع.
 
* لكن الزمن لا يسير في مصلحة الإخوان، هناك ركود فكري، وتنظيم يكبر ومع الزمن قد يحدث الانفجار.
 
هذا صحيح، الزمن قد لا يكون في مصلحة الإخوان، لكن لا يجوز أن تتكلم عن الحالة الإخوانية وأنت منفصل عنها، في النهاية الحالة النفسية بكل مكوناتها ومعطياتها الداخلية والخارجية تتطور أم لا؟ هي تتطور.
 
 هناك عوامل خارجية تؤدي إلى التطوير - هذا قد يكون بطيئاً نسبياً - لكن الجسم الكبير للجماعة نفسها أحد أسباب البطء في التطوير، أحيانًا الناس تقول: "لماذا تأخر الإخوان في الموقف الفلاني؟"؛ لأن القرار ليس سهلاً، الجسم الكبير يكون عبئاً في كثير من الأحيان، لو كنت تنظيماً صغيراً مثل "كفاية" سأقرر في 5 دقائق أن أنزل إلى الشارع أم لا، أما نحن فلا نستطيع أن نأخذه في 5 أيام .
 
* قادة الإخوان - في الغالب - لا يهتمون إلا بصناعة الأتباع الذين يحسنون التلقي والتنفيذ الفوري والإيمان بأوامر القائد وحكمته.
 
هذا كلام مبالغ فيه، البعض يفعله صحيح - لكي أكون أمينا معك - لأن بعض المسئولين قد يكون هذا أسلوبه؛ لأنه عندما يقارن بين شخصين يقدم الشخص التابع على الشخص المبدع، لكن الحالة العامة ليست هكذا، وهذا الأسلوب خاطئ لأن العبرة بالكفاءة، وليس التبعية، والإنسان الحريص على جماعته ودعوته يفضل الشخص الكفء، وليس الإنسان التابع، فما قيمة الشخص التابع لي، والسهل والهين اللين؟، أنا أفضل الشخص الذي يناقشني ويحاورني في سياق الوصول للأجود.
 
* ثقافة الطاعة هي السائدة الآن عند الإخوان، من يجادل توضع عليه الدوائر، ويعرقل تنظيميًا، وينظر له على أنه مشروع خروج، وأنه لم يتربَّ دعويًا، ولاشك أن به خللاً تربويًا .. أليس هذا هو الحال؟
 
هذا موجود في بعض الرقع الصغيرة والبسيطة والمنحرفة داخل الإخوان، نحن كتنظيم كبير هناك مساحات عندنا، أو بعض المساحات لا تمثل التيار العام، مساحات فيها قصور وخطأ وانحراف ومنها الذي تقوله.
 
لا تنسَ أن جماعة الإخوان جماعة بشرية، يلحق بها بعض الخلل، رضيت أم لم ترضَ، دور القيادة أن تقلل من هذا الخلل، إما أن تمحوه فهذا لن يحدث.
 
أين الإصلاح؟
 
* ماذا عن النشاط والمجهود الذي يناهض هذه الآفات، حتى نشرات الإخوان التي توزع على القواعد، لا تتعرض لمثل هذا الأمر، ورسائل المرشد الأسبوعية لم تلمح ولو لمرة بوجوب الإصلاح الداخلي، حتى كتب الإخوان الكثيرة لا نجد فيها مضمونًا يعالج أوجه هذا الخلل؟.
 
 قولك بعدم وجود مساع للإصلاح الداخلي غير صحيح، وإلا كان الخلل والانحراف انتشر في الجماعة كلها وفق طبيعة الفساد، وكلامك منصب على بعض الخلل الذي لا أجادلك أنه موجود، لكن الخلاف بيني وبينك هو في مساحة هذا الخلل، الثمرة الفاسدة إذا لم تحاصر وإذا لم تتوقف فستفسد كل الثمار، أنت تقول ليس هناك مناهضة لهذا الفساد، أنا أقول لك هذا غير صحيح لو كان غير موجود لكانت الجماعة انحرفت وفسدت ولم يكن هناك نتاج لجماعة الإخوان المسلمين.
 
* باتت الطاعة هي المعيار الأساسي في الفرز والترقية، والمتحكم الرئيسي في كافة أنواع الحراك الداخلي؛ الأمر الذي أدى إلى هجرة الكثير من أهل الكفاءة، وخنق روح المبادرة داخل الحركة الإسلامية.
 
هذه مبالغة، الأمر موجود بنسبة قليلة ونحن نقاومه ونتصدى له، وأنا أكره كلمة "طاعة"، أنا أسميها التزاما، والأستاذ أبو النصر (رحمه الله) كان يفضل أن يقول (التزام) بدل الطاعة، ويقول إن هذا الأخ ملتزم بنظام الجماعة وبطريق الجماعة، والالتزام مطلوب ليس هناك جماعة أو تنظيم بدون التزام، ولكن الالتزام هو أحد معايير تقييم الشخص وليس المعيار الوحيد؛ لأنه حينما يكون الالتزام هو المعيار الوحيد فسنكون وصلنا إلى حالة الدولة المصرية، وهو تقديم أهل الثقة على أهل الكفاءة، وهذا يخالف قيم الإسلام ومبادئه، أحيانًا يحدث خلل في رقعة ما في مكان ما، ويقدم أهل الثقة على أهل الكفاءة، لكن هذا يشكل نسبة صغيرة موجودة، وأنا أقول نحن تنظيم بشري، سيظل عندنا خلل دائما وأبداً، المهم أنك تحاصر هذا الخلل وتقلل منه.
 
* يقول الدكتور يوسف القرضاوي في نقده للإخوان: "تجب إعادة البحث في وسائل الأنظمة التربوية داخل الجماعة والبحث في الوسائل السياسية في ضوء المستجدات والمتغيرات المحلية؛ ذلك أن الجمود آفة من آفات الفكر الحركي المؤطر، وهو عائق من العوائق الداخلية في الحركة الإسلامية، ما يحدث الآن هو الجمود في شكل معين في التنظيم وعلى صور معينة في الدعوة، ومن حاول أن يغير هذا قوبل بالرفض الشديد أو الاتهام والتنديد" ما تعليقك؟
 
أنا أتصور أن هذه مبالغة أيضاً، منهج التربية الذي يتبعه الإخوان المسلمون الآن ليس هو المنهج الذي كان متبعًا في الماضي، المنهج حصل فيه تغيير، ولكن ليس بنفس القدر الذي نسعى إليه، الإنصاف يقتضي أن نقول ذلك.
أنت تقول إن هناك جموداً، الجمود أصاب المجتمع المصري كله، لكن هذا الجمود ليس بالقدر الذي يصيب الإنسان بالتشاؤم.
 
 أين كان الإخوان أيام الإمام البنا من النقابات المهنية؟ وأين هم حينها في مجلس الشعب؟ أين كانوا من مجالس المحليات؟ الإخوان ظلوا من 1928 حتى 1954 خارج اللعبة السياسية في وقت كان من الممكن أن يدخلوا البرلمان بـ 500 نائب.
 
* الانتشار والحشد ليس مقياساً لنجاح الإخوان من عدمه، وليسا عاملاً من عوامل التقدم في حد ذاته.
 
كيف لا يكون عاملاً من عوامل التقدم؟!، أنت الآن تدخل في مؤسسة دولة، وفي الماضي لم تدخلها في وقت كانت هناك أجواء حرية. أنا أرى أن الإخوان تقدموا؛ لأنهم أصبحوا جزءا من مكونات مؤسسات الدولة، وليسوا منعزلين عنها، من أجل هذا كان غريبا على الإخوان في أوائل الثمانينيات أنهم يدخلون الانتخابات - كان غريبا في وقتها - كان السؤال: ندخل الانتخابات لماذا؟.
 
وسائل الإخوان في الثلاثينيات والأربعينيات كانت الأسرة والكتيبة، حينما تدخل وتربي كوادرك في النقابات وفى هيئات التدريس وفى اتحادات الطلبة والمجالس الشعبية والمحلية والجمعيات، هذا تغيير كبير حدث للإخوان، لم يكن من الممكن للشخصية الإخوانية المنكفئة في وسائل تربوية ووسائل تداخل مع المجتمع محدودة أن تفعل ذلك.
إذن لا تقل لي ليس هناك تطوير، حينما تكون تاجراً في سوق يخسر خسارة فادحة – وهذه هي الحالة الموجودة في مصر حاليا – فالتاجر الشاطر الذي يتحدث في ظل سوق تخسر لا يقول "كم سأكسب اليوم؟"، بل يفكر في طريقة أخرى تقلل من خسائره.
مصر منذ أن جاءت الثورة وحتى الآن تتدهور تدهورًا شديدًا، ودور الإخوان المسلمين التقليل من حجم هذه الخسائر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق