الخميس، 2 ديسمبر 2010

عملية صناعة القرارات…. ج2/2

في الجزء الماضي من هذه المقالة بدأنا بتقديم نموذج مبسّط لصناعة القرار يضمن اتباعه من قبل أفراد الفريق جميعاً بناءَ لغةٍ مشتركةٍ ومنظورٍ مشترك تساهم مساهمةً جوهريةً في تقليص الوقت والجهود المضيّعة في تقليب الآراء وتجاذب وجهات النظر على غير هدى.
تحدّثنا آنئذٍ عن "القرار التحتيّ" أو كيف نقرّر؟ وعرضنا الأنماط الأربعة لصناعة القرار، كما بينّا المقصود بصناعة القرار بالإجماع (أو التوافق).
وبعد ذلك وصلنا إلى استعراض العوامل المؤثرة في اختيار أيّ نمطٍ معين لصناعة القرار. تحدّثنا عن أربعة عوامل: أهمية القرار، وتعقيده، وكفاية المعلومات والخبرة لدى صانع القرار، وأهميّة تأييد القرار لدى المنفّذين والمتأثّرين. ومع هذه العوامل نتابع:

عوامل اختيار نمط صناعة القرار

يمكن لكلٍ من أنماط صنع القرار أن يكون ناجعاً في المواضع المختلفة. والقائد الفعّال هو الذي يمتلك مرونةَ استخدام كل الأنماط الأربعة ونفاذ البصيرة وحسن التقدير لاستشعار أوان كلٍ منها.
ليس هناك قواعد واضحة ثابتة تملي اختيار كل نمط وإنّما هناك عوامل تفيد مراعاتها فائدةً كبيرة في إضاءة المسار وانتقاء النمط الأنسب.
5- إشراك دائرة المتأثرين بالقرارمن المتأثّرون بالقرار تأثراً ملحوظاً؟ من يمثل الجهات المتأثرة بالقرار ويرعى مصالحها؟..
إنّ تجاهل هذه الأسئلة المريحَ في مراحل التحضير وصنع القرار قد يجده القائد مرّاً شائكاً في مراحل التنفيذ.
6- بين الأهداف المشتركة وتضارب المصالحهل يشاركك الآخرون الأهداف ذاتها؟ هل يميلون إلى اتخاذ قراراتٍ تتفق مع أهدافك المرسومة من أجل المؤسسة؟ هل توجد لدى الآخرين مصالح تتعارض مع مصالح المؤسسة؟..
إنّ بناء الأهداف والقيم المشتركة هو الذي يجعل عمليات التوافق أو التفويض في صناعة القرار ممكنةً وفعالة. وإن رأيت نفسك لا تلجا إلى هاتين العمليتين –أو لا تستطيع ذلك- فأنت تحتاج حقاً إلى بذل مزيد من الطاقة والاهتمام لبناء وتوصيل فهمٍ مشترك لموقع وتوجّه المجموعة وكيف ستمضي وتصل إلى غايتها.
7- القيود الزمنيةما هو الحد الملائم من الموازنة بين الالتزام بالحدود الزمنية وبين تحقيق مشاركةٍ واسعة؟ كم هي مطلوبةٌ السرعة في اتخاذ هذا القرار؟ كم لدى الناس من وقتٍ يمكن تخصيصه للعمل على هذا المسألة؟ هل هي مهمةٌ إلى درجة اقتطاع الوقت من أعمالٍ أخرى؟..
ضمن البحث والنظر في القيود الزمنية يدخل أيضاً الزمن اللازم لتنفيذ القرار، وهكذا نقول إنّ صناعة القرار بالتوافق أو بالتشاور تصبح أكثر جدارةً بالاستخدام إن كانت تؤدّي إلى تقليص زمن التنفيذ.

متى يستخدم كل نمطٍ من أنماط صناعة القرار؟

بعد مراعاة كل العوامل المذكورة آنفاً يمكننا أن نستنتج بعض الخطوط العامة المرشدة إلى مواضع الاستخدام المحتملة لكل نمط من أنماط صناعة القرار:
صناعة القرار الفردية
- عندما تتوفر لدى القائد شخصياً الخبرة والمعلومات الكافية
- يتوفر للقائد مصادر معلوماتٍ يتاح له الاستفادة منها
- الفسحة الزمنية خانقة ولا بدّ من اتخاذ القرار بسرعة
- عندما يكون لدى القائد قناعة مسبقة لا سبيل إلى تغييرها
-عندما تكون المسألة صغيرةً لا تستحق جمع الناس لها

صناعة القرار الاستشاريّة- عندما يكون التنفيذ في نطاق مسؤوليات شخصٍ واحد
- عندما تكون المسألة متوسطة الأهميّة
- عند تردّد القائد ورغبته في استبعاد الأخطاء الفاحشة
- يلجأ إليها اضطراراً عندما يكون الفريق غير ناضجٍ أو مجهّز لصناعة القرار بالطرق الأخرى
صناعة القرار الإجماعيّة (أو التوافقيّة)- عندما تكون المشكلة مهمةً ومعقّدة
- عند الافتقار إلى شخصٍ واحدٍ خبير، والأمل في تجميع الخبرات المختلفة الموزّعة بين أفراد الفريق
- عند الحاجة إلى قرارٍ فائق الجودة
صناعة القرار بالتفويض- عند وجودِ شخصٍ يوثق بخبرته
- عندما تكون المهمة منخفضة الأهمية والخطورة
- عندما تكون المهمةُ مناسبةً للتطوير والتدريب
يهدف النموذج السابق لصناعة القرار إلى تزويدك باللغة وإطار العمل اللازمين للتفاهم مع فريقك وتوصيل طريقة صنع القرار بوضوح.
حتّى تكون صانع قرار وقائداً فعّالاً لستَ مضطراً إلى انتقاء النمط الأمثل لصنع القرار، إنما أنت بحاجةٍ إلى اختيار النمط (ولنقل أيّ نمط) وتوصيله بوضوح إلى أعضاء فريقك ثمّ الاستقرار عليه…
هذا كل ما يلزمك كي توفر على نفسك وعلى فريقك كثيراً من الوقت والجهد والمضاعفات الجانبية.

لنجاحك في التطبيق.. احذر هذه الأخطاء

لا إفراط ولا تفريط.. لكل قرارٍ مقام!يجمّد بعض القادة أنفسهم عند واحدٍ من أقصى الطرفين ضمن طيف صناعة القرار. فإمّا أن يستقلّ بنفسه في صنع كلّ القرارات محطماً معنويات الفريق ومهدراً لإمكاناته، وإمّا أن يلزم نفسه بصناعة قرار توافقية تشلّ إنتاجية المجموعة وتستنزف طاقتها في اجتماعاتٍ لا تنتهي.
لا جدال في سوء التجمد عند أحد الطرفين (الفرديّ أو الإجماعيّ) ولكن لا يقلّ عنهما سوءاً -وقد يزيد- أن يعلن القائد بلسانه عن نمطِ قرارٍ توافقيّ ولكنّه يقصد بالفعل نمطاً تشاورياً وحسب. إن كنت لا تريد من الناس إلاّ المشورة فأعلن ذلك بوضوح ولا داعي للاعتذار.
هل فريقك فريق .. أم صورة فريق!
إنّ النمط التشاوريّ كثيراً ما يكون هو الأكثر ملاءمةً وفاعلية، لكن انتبه! إن كنت لا تستخدم النمط التوافقيّ (أو الإجماعيّ) على الإطلاق فربما يكون هذا إنذاراً بواحدةٍ أو أكثر من ثلاث مشكلات:
1- لديك فريق ضعيف لا تتوفر لديه مقدرات التعامل مع القرارات المهمّة
2- أنت مقصّر في إطلاع الفريق وتوجيهه إلى تناول القضايا الحسّاسة
3- أنت تكتم أنفس المؤسسة وتعرقل تطوّرها بنمط قيادتك المفرط في التحكّم والاستبداد
في بيئة العمل المعاصرة فائقة التنافسية يمكن أن تعمل أيٌّ من المشكلات الثلاث السابقة كسدّ يجعل النجاح مستحيلاً. وإن كان التأمّل في نموذج صناعة القرار الذي عرضناه في هذه المقالة قد ساعدك في اكتشاف هذه المشكلات فأبشر! لقد قمت بخطوةٍ كبيرة إلى الأمام!
جرّب طريق الكفاءة بنفسك.. الآن!انظر إلى جدول أعمالك وابحث عن أوّل اجتماعٍ لفريقك ثمّ طبّق عليه ما رأيناه في هذا النموذج: هل أنت واضحٌ في تبيين وتوصيل المطلوب في كل بندٍ من البنود؟ ( اتخاذ قرار، أم مشاركة معلومات، أم توليد أفكار، أم رسم خطة عمل). في البنود المتضمنة صناعة قرار هل تعرف ما نمط صناعة القرار المطلوب لكل بند، ولماذا؟ وزّع معلومات هذه المقالة على زملائك في الفريق حتّى يتفهّموا اللغة التي تستخدمها في مناقشة صناعة القرار معهم، وعندما يحين وقت الاجتماع افتتح كل بندٍ على جدول الأعمال بتوضيح الغاية المنشودة، وحين تكون الغاية صنع قرار بيّن لهم نمط صناعة القرار المتبع. وعند نهاية الاجتماع اطلب من المشاركين تقييم الفائدة التي يرونها في اتباع هذه الخطوات. ويمكنك المضيّ قدماً في هذا الاتجاه فتحثّ الفريق على عرض وجهات نظرهم في كيفية صناعة القرارات. حدّد نطاق القرارات التي تتحمّل أنت وفريقك مسؤوليتها. قسّم فريقك إلى مجموعاتٍ صغيرة أو أزواج واطلب من كل زوج اختيار نمط صناعة القرار الذي يرونه ملائماً لكل من القرارات التي تتعاملون معها ضمن نطاق مسؤوليتكم. وبعد ذلك اطلب من المجموعات الصغيرة أو الأزواج تبادل قوائم الاختيار التي وضعوها. إنّ نقاط الاختلاف التي تبينها ممارسة التبادل هذه ستفتح الطريق لمناقشاتٍ قيّمة.
تذكّر: لا قيمة لكل الدقّة وجهود الإقناع التي تبذلونها في نقاشاتكم إن لم تكن أنت وفريقك تعرفون عمّاذا تتحدّثون. اتفقوا على لغة مشتركة، اضبطوا التوليف على الموجة ذاتها، وليبدأ حينها الإرسال والاستقبال المثمران!
نموذجٌ عمليّ لصناعة قراراتٍ أفضل في فريقك
وازن بين الكفاءة وبين المشاركة والتأييد
آندريا كورني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق