الأحد، 26 ديسمبر 2010

الأقباط وسيناريوهات المستقبل … د/ هشام الحمامى

فى الثمانينيات صدرت دراسة بعنوان (مصر فى القرن21 )..قدم لهذه الدراسة المهمة د. أسامه الباز وصدرت عن مركز الأهرام للترجمة والنشر ..تضمنت فى فصولها بحثا مهما للمفكر الراحل المستشار وليم سليمان قلادة (1924/1999م) بعنوان (الأقباط من الذمية إلى المواطنة) .بدأه بتقديم رؤية عامة للتاريخ المصري من القرن الأول الميلادي حتى دخول الإسلام … قبل الإسلام كان المجتمع المصري مقسوم أفقيا بين حاكمين ومحكومين ثم بعد دخول الإسلام زاد على التقسيم الأفقى تقسيم رأسى يقوم على التعددية الدينية وتداخل التقسيمان الدينى والسياسى فيما يعرف بالكيان المصرى الذى تفاعلت فيه الجغرافيا مع التاريخ مع البشر وحدث التعايش الوئامى بين أتباع مطلقين( حيث الإيمان يمثل المطلق الذي يستبعد الأخر)..ليس من دائرة وجودة ولكن من دائرة إيمانه.. وهكذا حدث ما يمكن تسميته (بالحياة المشتركة)..التى تستند إلى القيم الواحدة والمصير الواحد. وعلى هذه المقومات والأسس تشكلت حركة المجتمع المصرى عبر التاريخ_ كما يوضح د .قلادة_ فقد اخذ التقسيم السياسى يستوعب التقسيم الدينى وبتأثيرالحركة العامة للجماعة الوطنية تجاوز المسلمين والاقباط هذا التقسيم وانطلقا معا الى ما يمكن تسميته (فقه المواطنة) . وبدأ المحكومين مسلمين وأقباط حركه مشتركه لاختراق حاجز السلطة و الجلوس على كراسي الحكم ..
وهكذا أتى الاختراق المشترك لحاجز السلطة كواقعة تاريخية تكتمل بها الحقيقة المصرية و تعبر بدقة عن مقومات الكيان المصرى ..وهكذا دخل المسلمون والمسيحيون معا مجال المواطنة والحكم والسياسة. ويستكمل د .قلادة : ثم تأتى لحظة الحق فى تاريخ مصر الحديث حيث صدر دستور 1923 مستوعبا ما سبقه من دستورين صدرا فى عهد إسماعيل و توفيق ..مقررا بصفة حاسمة مبدأ المواطنة أساسا للحياة السياسية والدستورية سواء على مستوى المشاركة أوالمساواة . وسادت مصر ما يمكن تسميته بالأخلاق الدستورية.
هذه هى الخلفية العامة التى تحركت فيها الجماعة الوطنية عبرالتاريخ .ثم ينتقل المفكر الراحل إلى أهم نقطه فى بحثه وهى سيناريوهات المستقبل .
السيناريو الأول ينظر الى المسلمين والأقباط ككيان متميز
والثاني ينظر إليهما على أنهما كيان واحد تجمعهما وحده سياسية تضمها مقومات الكيان المصرى وهو الكيان الذى يناضل منذ زمن بعيد لتحقيق مزيد من التقدم للجماعة ككل بما يؤدى الى فائدة كل مصر بل لكل مواطن وبما يحقق له مزيد من ضمانات ممارسة الحقوق المدنية والسياسية .
فى السيناريو الأول الذى يميز بين المصريين توقع له الكاتب ثلاثة صور .
الصور الأولى (إسرائيلية) وتنطلق مما كتبه الباحث و الصحفى ثم الديبلوماسى الاسرائيلى(عوديد عنيون) والذى أوضح فيه ضرورة تجزئه مصر إقليميا الى مناطق جغرافية على أساس ديني .
والصورة الثانية دولية وعلى أساسها يحق للدول الكبرى التدخل فى شئون الدول الصغرى إذا أضرت الأخيرة بمصالح الأقليات بها ..وقد كانت هناك محاولات كثيرة لإدراج أقباط مصر ضمن الأقليات فى الوطن العربى تحميهم المظلة الدولية وهو ما رفضه المصريون جميعا منذ إعلان 28 فبراير 1922م بعد رفع الحماية البريطانية عن مصر.
الصورة الثالثة هى صورة (الذمية المعدلة) وهو ان يكون الحديث عن المواطنة والمساواة لفظيا فقط و لكن فى واقع الأمر لا يكون هناك مساواة كاملة .
ثم يؤكد د قلادة على أن (حالة الأقباط) لا يمكن فصلها عن حالة المصريين وهو ما يعنى أهمية العمل على استعادة التجربة المصرية التى حققت خلالها الجماعة الوطنية مبدأ المواطنة على أرض الواقع وهوما يتفق مع طبيعة مصر السمحة وشعبها الكريم وتاريخها المشرف.. وسط عالم يموج بالصراعات. .
لا أدرى اين هذه الدراسة الآن او حتى أين الكتاب كله الذي كتب مقدمته د أسامه الباز وقت ان كان يعمل مستشارا سياسيا للرئيس مبارك بما يعنى أن رئاسة الجمهورية هى التي أشرفت على إصدار هذه الدراسة المهمة التى تتطلع فيها إلى حالة مصر فى القرن الحادى والعشرين .. ؟ بل ويستدعى الحديث السؤال عن د.أسامة الباز نفسه ..والذي كان أخر ما سمعناه منه قوله( المشكلة الآن فى مصر ان فترة حكم النظام الحالى طالت أكثر مما ينبغي..!!) كلام مهم وخطير من شخص كان مطلعا على تفاصيل العمل بالرئاسة فى جمهورية (السادات ومبارك). وهو اذ يطرح المسألة على هذا النحو(طول فترة الحكم أكثر مما ينبغى) هل كان يعدم تفكيره تصورا أخر؟ . قد نستطيع تفهم إمساكه عن الاستطراد فيما وراء هذا التشخيص . لكن كنا نريد ونتوقع إشارة أكثر وضوحا .
إن يكن من أمر .أتصور أن مصر كلها فى انتظار مذكرات د أسامة الباز ..ليس للحكى والقيل والقال وازاحة السرية عن كيفية اتخاذ القرار لحكم طالت أيامة وليالية. ولكن للاعتبار والإفادة والتعلم .
وعودة الى ما كتبه المفكر الكبير د.قلادة فان حديثه عن السيناريو الاسرائيلى بشكل اساسى وأولى هكذا .. يبعث على كثيرمن القلق العام .خاصة أننا نسمع عن قصه تقسيم مصر دينيا هذه من زمن .. وان إخواننا الأقباط يسعون لتكوين دولة قبطية .. نعلم جميعا أن العهد الذي كان ساريا بين إخواننا الأقباط هو ان أمنهم الحقيقي في الاندماج داخل حضن إخوتهم المسلمين ..فيتخذوا بيوتهم بينهم وكذا أنشطتهم التجارية والمالية ويتخذوا أسماء مشتركه ويذوبوا (اجتماعيا ووطنيا) داخل الكيان المصري الواحد . وقد كان الحديث بهذه اللغة على أشده أيام بطريركية الراحل غبطة البابا كيرلس السادس .بابا المصريين كما كان يحلو للجميع تسميته.
صحيح أن الأمر اختلف كثيرا بعد إبعاد الأب متى المسكين(بشكل او بأخر) وصعود غبطة البابا شنودة الثالث و(مجموعته).. وهو الصعود الذي صاحب صعود الصحوة الإسلامية فى مصر والعالم الإسلامى كله . فرأينا مواقف تميزت بالحدة و التعالي والمفارقة والتي أخذت أشكالا متعددة مثل رفض أحكام المحاكم المصرية والتظاهر العنيف ضد قوانين البلديات والمحليات . ونشر بردة (كنسية) على طول وعرض كل ما يتصل بوجود إخواننا الأقباط الذين هم أولا وأخيرا مصريون يحملون أرقاما قوميه ويسددون الضرائب ويؤدون الخدمة العسكرية.
لست مهتما بالسيناريو الإسرائيلي . ولا من السيناريو الدولى(الذى يتحقق الآن فى البطن الرخوة لنا واقصد السودان)لكنى مستاء من السيناريو الثالث (الذمية المعدلة) والذى يتطلب جهدا مشتركا من المسلمين والأقباط.
وهو ما لن يعدل الى الصورة الصحيحة الا بالتفاعل الكامل والاندماج الكامل .. والأمر ليس عسيرا ولا مستحيلا وأنا-مثلا- على مستوى علاقاتي الشخصية والعملية بزملائي الأقباط لا أكاد اشعر بأى نوع من أنواع التمييز بيننا بل واسمع منهم أراء ناقدة لبعض المواقف التى تتخذها الكنيسة فى الشؤون العامة .كما سمعوا منى نقدا لاستثناء الأقباط من تولى الرئاسة.. وهو ما صححه د سليم العوا والمستشار البشرى لاحقا بتأكيد حق كل مواطن مصرى فى الترشح للرئاسة.
لست قلقا على الحياة المشتركة بيننا فى ربوع الحبيبة مصر قلقى من الأهواء الشخصية للبعض وضيق أفق البعض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق