الأحد، 26 ديسمبر 2010

المشهد السياسي بعد انتخابات مصر …. عبد الفتاح ماضى


المشهد السياسي بعد انتخابات مصر  
خسرت مصر الكثير بعد الانتخابات الأخيرة للبرلمان، هذه المقالة تقف عند أبرز هذه الخسائر، ثم تقدم بعض المقترحات للتعامل معها.
الإقصاء لن يضمن الاستمرار
بعد عشر سنوات من الألفية الثالثة لا تزال سياسة الإقصاء والنظرة الثنائية التي ترى الأمور باللونين الأبيض والأسود فقط هي السائدة في مصر.
فالانتخابات أثبتت أن الحزب الحاكم مستمر في الانفراد بالحياة السياسية، مع سيطرة تيار إقصائي على مقدرات الأمور داخله وتراجع الأصوات الإصلاحية.
وقد انعكس هذا في النتيجة النهائية التي حصلت فيها أحزاب المعارضة على نحو 3.6% من المقاعد فقط، وفي تصريحات رسمية ترى أن مصر عاشت عرسا ديمقراطيا (صفوت الشريف)، وأن الانتخابات تمت بشفافية وأن الحديث عن تزوير الانتخابات وهم في عقول من يردده (فتحي سرور)، وفي انتخاب سرور رئيسا للمجلس الجديد للدورة الـ21 على التوالي بأغلبية ساحقة (505 أصوأت مقابل صوت واحد لمنافسه).
وفي المقابل كان من الطبيعي أن يدفع هذا إلى نزع قوى المعارضة الشرعية بالكامل عن المجلس الجديد والعمل على إسقاطه قضائيا.
سياسة الإقصاء لن تضمن الاستمرار للأبد، فاتخاذ المواقف الحدية من الطرفين يعني ضعف فرص إجراء إصلاح سياسي حقيقي يلبي المطالب المشروعة للشعب ويحافظ في الوقت نفسه على الحزب الوطني ضمن منظومة سياسية ديمقراطية جديدة.
ويعني أيضا أن البديل لمثل هذا النوع من الأنظمة هو الانهيار الكامل إنْ بعد شهر أو بعد سنوات واحتمال دخول البلاد في حالة من الفوضى. والسبب الأساسي لهذا الاحتمال هو سلوك بعض قيادات الحزب الحاكم نفسه التي تغلق كل طرق الإصلاح السياسي بتصرفات غير مسؤولة لا ترتكبها إلا عقليات إقصائية تغيب عنها أبجديات العمل السياسي الحقيقي. ولنا في التاريخ القريب لمجتمعات مشابهة عبرة.
تسييس القطاعات المدنية للدولة
تقوم الانتخابات الديمقراطية بوظائف تدور حول التعبير عن رأي الناخبين، واختيار الحكام ومحاسبتهم، والمساهمة في التثقيف السياسي والتجنيد السياسي.
مصر لم تشهد انتخابات ديمقراطية حتى يمكن تصور تحقيق هذه الوظائف، فالحزب الحاكم لم يستطع إجراء انتخابات كالتي تحدث في دول مثل بنين ومالي وتايوان وكوستاريكا والسلفادور ومالطا ودول أخرى صغيرة وتعاني من مشكلات أخرى أكثر حدة مما تعانيه مصر، ناهيك عن دول مثل جنوب أفريقيا وكوريا وماليزيا والمكسيك.
وبدلا من أن تكون الانتخابات وسيلة لاختيار النواب، استخدمت الانتخابات لتجيير السياسة لصالح إستراتيجيات بقاء الحزب الحاكم ولحسم صراعه التاريخي مع الإخوان المسلمين وقوى المعارضة الوطنية الأخرى.
ولتحقيق هذين الهدفين، استمر الحزب في استخدام الانتخابات لتسييس قطاعات واسعة من مؤسسات الدولة المدنية، فتم توريط قطاع من الأمن وآخر من القضاء في عملية انتخابية مشبوهة، وبالتالي إدخالهما في خصومة مع الجماهير، هذا بجانب تسخير جزء من الجهاز الإداري للدولة في عمليات التزوير، وهذه أمور تفسد مؤسسات الدولة المدنية وتزرع شروخا داخلها، وهي وصفة جاهزة لانقسامات لا يحمد عقباها.
هذا بجانب إقحام القضاء في العملية السياسية، إذ أدى التضييق الإداري على الترشح إلى رفع مئات الدعاوى القضائية أمام القضاء الإداري وصدور مئات الأحكام واجبة النفاذ. وبدلا من احترام القانون والقضاء، تعدت الحكومة على أحكام القضاء ورفضت الالتزام بمعظمها بل وراح قادة الحزب الحاكم يتبارون في تقديم تبريرات واهية للالتفاف على تلك الأحكام الأمر الذي أضر بهيبة القضاء وأضعف قاعدة حكم القانون واستقلال القضاء ووجوب الانصياع التام لأحكامه.
وكان من نتاج هذا أن انشغلت القوى السياسية المختلفة في معارك فرعية في ساحات القضاء ومواجهة البلطجة بدلا من التنافس حول البرامج. لقد استخدمت الانتخابات لتفريغ الحياة السياسية من البرامج السياسية الحقيقية وإقصاء شخصيات سياسية معروفة، وتكميم أفواه بعض الإعلاميين وغلق العديد من المواقع الإلكترونية.
ولهذا كان طبيعيا أن تنحصر الدعاية الانتخابية في أمور جدلية كشعار الإخوان أو حول وعود بتقديم الخدمات ودغدغة مشاعر الجماهير بإطلاق وعود انتخابية بتوفير فرص عمل ورصف الطرق وإنشاء المدارس والوحدات الطبية وتقديم خدمات الصرف الصحي.
واستخدم الحزب الحاكم هذا الأمر الأخير في إطار ترويج البعض لما يعدونه إنجازات سابقة للحكومة، وذلك بدلا من القيام فعلا بالوظائف المتعارف عليها للحكومات والتصدي لحل المشكلات اليومية للناس وتقديم الخدمات لهم.
وربما الأخطر من كل هذا هو تغييب الشعب وتضليله، فالضرر الذي يقع على الناس، خاصة الشباب، جراء فقدان أي أمل في الإصلاح وتلاشي ثقتهم في مؤسسات الدولة، هو من الأضرار التي تضرب مقومات المجتمع وتفسد الإنسان نفسه وتحوله إلى كائن نفعي لا يشعر بأية قيمة لنفسه.
فبدلا من أن تكون الانتخابات أداة للتثقيف والتجنيد السياسيين، تم تزوير إرادة الناخبين، بل وتوريط وإفساد قطاعات منهم في التزوير والبلطجة، وهؤلاء يقدرون بالآلاف ويشملون موظفين مغلوبين على أمرهم شارك معظمهم، قهرا أو جهلا، في تسويد البطاقات، ويشملون أيضا قضاة شاركوا في اللجنة المشرفة وفي اللجان العامة، ورجال أمن مارسوا مهمة تأمين العملية برمتها، وبلطجية استخدموا لإرهاب الخصوم وضربهم عند الضرورة، ومسؤولين من الحزب ومن مؤسسات الدولة وصحافيين وأساتذة جامعات تسابقوا للدفاع عن الانتخابات رغم معرفتهم جيدا أن الانتخابات مزورة، ناهيك عن مواطنين مغلوبين على أمرهم استغل وضعهم الاقتصادي المتدني وممارسة عمليات ابتزاز وضيعة يطلق عليها شراء الأصوات.
تقديم بديل للنظام وليس لسياساته
بعيدا عن فشل المعارضة في التوافق على موقف موحد قبل الانتخابات، فإن تحركات المعارضة بعد الانتخابات تكشف عن بعض أوجه القصور وعن عدم فهم الوظيفة التي يجب أن تقوم بها المعارضة أثناء عملية الانتقال إلى الديمقراطية.
لقد أظهرت تجارب الانتقال الديمقراطي في الثلاثين سنة الماضية أنه ليس من مهام المعارضة إصلاح ما أفسدته الحكومات قبل الانتقال، (أي تقديم برامج تفصيلية للمشكلات القائمة). إن مهمة المعارضة في الدول غير الديمقراطية هي وضع بديل للنظام وليس لسياسات النظام. وبعبارة أخرى، تقدم أحزاب المعارضة السياسات البديلة في الدول الديمقراطية الحقيقية، أما في الدول التي يتفرغ فيها الحكام لوضع القيود والعقبات أمام أبسط الأنشطة الحزبية، فإن عليها العمل على تغيير قواعد اللعبة أولا.
وفي الحالة المصرية اعتقد البعض أنه بالإمكان مقارعة النظام ببرامج تفصيلية، استنادا إلى الانفتاح النسبي خلال العامين 2004 و2005، غير أن واقع الحال أثبت أن البلاد مرت (منذ التعديلات الدستورية في 2005 و2007) بمرحلة انغلاق سياسي.
ولهذا وجب تغيير إستراتيجية المعارضة لتتوافق مع المرحلة الجديدة. كما روجت بعض الأوساط الحكومية والإعلامية التابعة للحكومة، منذ سنوات، لفكرة أن المعارضة (الأحزاب والإخوان المسلمين وبقية القوى) مفلسة ولا تمتلك بدائل للسياسات القائمة، وقد ابتلعت القوى المختلفة الطعم وانشغلت في إعداد برامج تفصيلية للمشكلات التي نعيشها وصنعتها الحكومة في الأساس.
واقع الأمر أن للمعارضة السياسية أثناء الانتقال مهام أخرى غير تقديم سياسات بديلة للسياسات الفاشلة للحكومات، أولها التوافق حول الديمقراطية كهدف ووسيلة، ولئن توافقت معظم القوى المصرية على الديمقراطية هدفا أي نظام حكم بديلا للنظام القائم، فإن عليها أن تدرك أن الديمقراطية هي أيضا وسيلة لغايات أبعد.
وأعني هنا إدراك أن الديمقراطية هي الطريق السلمي لتمهيد الطريق لإيجاد حكومة وطنية حقيقية تعمل –بعد الانتقال– على التصدي للمشكلات الحالية ووضع الحلول والسياسات على أسس علمية حقيقية.
أما ثاني هذه المهام فهو تطوير شكل من أشكال التكتل الوطني المفتوح أمام الجميع. وفي مصر لا بد من دعم الجمعية الوطنية للتغيير بالتخلي عن سياسة الإقصاء أو تصور أن بإمكان فصيل واحد الانفراد بالأمر.. يجب الانفتاح على الشخصيات العامة المؤثرة في جميع القطاعات وعلى أي عناصر إصلاحية في الحزب الحاكم.. كما يجب الاهتمام بعنصر التنظيم في إدارة الجلسات وتنظيم الجهود والأنشطة.
وعلى هذا التكتل التركيز على هدف محوري واحد، كالمطالب السبعة، مع إمكانية تطويرها لوضع مسودة وثيقة دستورية بديلة تضم الخطوط الرئيسية المشتركة والمتفق عليها بين القوى الوطنية لنظام حكم ديمقراطي دون الدخول في القضايا الخلافية أو تلك التي تحتاج إلى نقاش أكثر عمقا، إذ يجب تركها لما بعد الانتقال، حيث تكون الحياة السياسية قد تخلصت من سياسات الإقصاء والرأي الأوحد. وذلك كما كان الدستور الأميركي، وكما كان الاتفاق الدستوري الإسباني الذي تضمن توافقات حول الحد الأدنى المشترك بين القوى الإسبانية مثل الحكم الملكي الدستوري والتعددية الحزبية والتأكيد على مكانة الجيش وحماية النظام الرأسمالي.
وكان من مهام المعارضة الديمقراطية في حالات كثيرة التركيز على استغلال كل الوسائل الممكنة لنزع الشرعية عن الحكومة وكسب أنصار في الداخل والتعاطف من الخارج.. ويوجد في مصر الكثير من الأمور التي يمكن التركيز عليها أمام المحاكم المصرية وفي المحافل الدولية وفي الإعلام الوطني والعالمي لتحقيق هذه الأهداف، منها تزوير الانتخابات، وانتهاكات حقوق الإنسان، وقضايا الفساد المختلفة وغيرها.
كما يجب العمل على ربط المسألة السياسية بالمطالب الفئوية المختلفة، كما تحتاج المرحلة الراهنة التوافق على شخصية سياسية توافقية للتقدم لمنصب الرئيس في حالة فراغ المنصب لأي سبب.
ومن الأمور الهامة هنا أيضا التأكيد على مدنية أجهزة الأمن والشرطة ورفع درجة مهنيتها واستقلاليتها وحيادها والوقوف ضد كل الإجراءات التي من شأنها إقحام هذه المؤسسة المدنية الوطنية في خصومة مع الشعب، وكذا التأكيد على استقلالية القضاء ووقف كل الإجراءات التي من شأنها زعزعة إيمان الأفراد في نزاهته وحياده واستقلاله.
إن المشكلات السياسية القائمة في النظام الحالي ليست من الأمور المستعصية على الحل كما يتصور البعض أو يروج البعض الآخر. فمصر ليست استثناء، فهناك مجتمعات عانت من مشكلات أكثر حدة واستطاعت التصدي لها. الأمر يحتاج أولا إلى إرادة سياسية حقيقية، ثم إلى تبني عدد من الآليات والضمانات الانتخابية والدستورية والقانونية المجربة تاريخيا.
فعلى سبيل المثال بالإمكان الحد من العصبية العائلية ومن ظاهرة المال السياسي في الانتخابات عن طريق تبني نظام القائمة النسبية. وهذا النظام يعزز أيضا من قوة الأحزاب بل ويساعد في تعزيز الوضع السياسي للأقليات والمرأة والشباب، وذلك إذا ما وضعت شروط أمام الأحزاب من قبيل ضرورة أن تضم القوائم الحزبية في أماكن متقدمة عناصر من هذه الفئات المستهدفة.
كما يمكن الحد من نفوذ مؤسسة الرئاسة بتبني النظام البرلماني-الرئاسي المختلط، أي وجود رئيس جمهورية ورئيس وزراء بصلاحيات محددة لكل منهما.
ولأجل حماية الديمقراطية، من الممكن وضع نصوص دستورية تمنع الانقلاب على الديمقراطية ومبادئها الرئيسة كما كانت الحال في دستور 1923 الذي منع تغيير النظام الملكي الدستوري النيابي البرلماني والتعدي على الحريات، وكما الحال في الكثير من الدساتير الأوروبية في إيطاليا وألمانيا وفرنسا وتركيا، فنحن لسنا بدعا من الناس.
——————————

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق